لا يُتوقّع تصويت الكنيست على قانون «الإبادة الأرمنيّة». لكنّ الحملة الحالية تكتسب رمزية اسaتثنائية هذه المرة، بما أنها تضيف ثقلاً جديداً على تأزّم العلاقات التركية ــ الإسرائيلية
أرنست خوري
ليس قرار الكنيست الإسرائيلي، يوم الأربعاء الماضي، القاضي بإرسال مشروع قانون يعترف بـ«الإبادة» العثمانية بحق الأرمن، إلى لجنة الشؤون الداخلية، تمهيداً لإحالته، إمّا على لجنة الشؤون الخارجية والأمنية، أو على لجنة التربية، الأوّل من نوعه في مسيرة محاولات بعض الأحزاب الإسرائيلية واللوبيات اليهودية؛ فقد سبق أن أُثير الموضوع نفسه في عام 2007، ثمّ في أيلول 2009 مثلاً. وفي كل مرة، كانت تدخلات الحكومات في تل أبيب تحول دون تمرير قانون يعترف بـ«الإبادة»، بما أنّ العقل التركي الرسمي لا يزال يتعاطى مع هذا الموضوع بمثابة إعلان حرب.
لكنّ إعادة التلويح بطرح مشروع القانون، في نيسان 2010، يحمل معاني وتبعات لم يحملها في المرات السابقة، نظراً إلى أنه يتزامن مع مرور العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية في أسوأ مراحلها. ورغم أنّه لا يُتوقَّع أن يصل مشروع القانون الذي تقدّم به حزب «ميرتس» اليساري إلى مرحلة التصويت العام في الكنيست، إلا أنّ ذلك لا يكفي ليحول دون ازدياد حدّة الحذر التركي حيال النوايا الإسرائيلية، وهو ما تُرجم، منذ عدوان غزة الأخير، بمجموعة أزمات وصلت إلى حدّ تهديد أساس العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية، ألا وهو الثقة والمصالح المتبادلة.
يمكن الجزم بأنّ أنقرة تنظر إلى تلويح أي عاصمة بإقرار قانون يصف «أحداث أعوام 1915 ــ 1918» (الوصف التركي الرسمي)، بـ«الإبادة»، بأنه إهانة للهوية والسيادة التركيتين، فكيف إذا جاء التهديد من تل أبيب، وفي هذه الظروف بالذات، أي في عزّ الأزمة؟ وبعد الحرب الكلامية في دافوس، وتجميد الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا، مروراً بإلغاء مناورات «نسر الأناضول» وإهانة السفير التركي لدى الدولة العبرية، وصولاً إلى درس وضع قيود على صفقات الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا، يُرَجَّح أنّ المسؤولين الأتراك يضعون كل ما حصل منذ أواخر 2008 في يد، والتهديد الجدي بطرح «قانون الإبادة» في الكنيست في يد أخرى. فإذا كان «مصير اسطنبول من مصير غزة والقدس»، على حد تعبير رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، فإنّ صورة تركيا وإرثها سيكونان مهددين إذا تمّ تعميم الاعتراف بالإبادة. كلام يعرفه الإسرائيليون مثلما يعرفه الأميركيون، وبالتالي، فطالما بقي حكام الدولة العبرية، بغضّ النظر عن هوية أطراف الائتلاف الحاكم، مصرّين على عدم التصعيد مع أنقرة، رغم كل ما حصل، فإنّه لا يتوقّع أن يذهب الإسرائيليون بعيداً في ضغطهم الهادف إلى «الاعتراف بالإبادة الشبيهة بالمحرقة اليهودية».
لكنّ الحماسة التي أطلقت فيها أحزاب يمينية ويسارية إسرائيلية حملتها الحالية لتبنّي مشروع قانون الإبادة، هو ما يقلق تركيا،

إذا كان «مصير اسطنبول من مصير القدس»، فإنّ مصير تركيا من مصير الإبادة
بدليل أنّ إحالة المشروع في لجنة الشؤون الداخلية مرّ بموافقة 12 عضواً، في مقابل رفض 8. أضف إلى ذلك «انزلاق» بعض اللوبيات اليهودية الأميركية، أبرزها Anti-Defamation League المناهضة لمعاداة السامية، في حملة التحريض على اعتماد قانون «الإبادة الأرمنية»، وهو ما أوجب قيام حملة مضادّة لمنظمة «ايباك» للحؤول دون تصويت كل من الكونغرس الأميركي والكنيست عليه.
وبدت حجج الأحزاب اليمينية الدينية، كما اليسارية، متشابهة في تبرير الإصرار على عرض مشروع القانون على الجلسة العامة للكنيست؛ فبالنسبة إلى كل من «حدّاش» و«ميرتس» (يسار) و«البيت اليهودي»، يتعلق الأمر بتوحيد «جميع آلام الأمم»، و«تحسّس الشعب اليهودي مع معاناة نظيره الأرمني». لكن خلف الصورة، يمكن استشفاف هدف مختلف، إذ إنّ «الانتقام» من تركيا كان ولا يزال مركزياً بالنسبة إلى البعض في دولة الاحتلال. موقف تتبنّاه أحزاب أخرى، مثل حزب «إسرائيل بيتنا»، رأس حربة «إهانة تركيا». لكنّ ضرورات الحكم تفرض عليه خيارات صعبة، منها تشديده على أنّ «الكنيست ليس المكان المناسب لمناقشة الإبادة».