شهيرة سلّومالرئيس الأفغاني حميد قرضاي يُعلن بلغة الآردو أن واشنطن تعرقل السلام في بلاده، ويحذر من تحويل التمرد إلى مقاومة، ويقول إنه الوحيد القادر على الوقوف في وجه أميركا. الأخيرة تؤجل موعد استضافته، فيدعو الغريم الإيراني محمود أحمدي نجاد نكاية. تتحدث تقارير أميركية عن جنونه وتعاطيه المخدرات. حرب تصريحات مستعرة بين الطرفين، رغم اللغة المنمقة لواشنطن إبقاءً على شعرة معاوية. الزيارة المرتقبة لقرضاي إلى البيت الأبيض في 12 أيار المقبل على كفّ عفريت. وحليف الأمس يكشّر عن أنيابه للانقلاب على أسياده.
هذه هي الحال بين واشنطن والرئيس الأفغاني، فإما أن تكون سحابة صيف عابرة تنتهي برضوخ واشنطن، أو تُعيد تعريف العلاقة بين الطرفين، لكن في ضوء الاستراتيجية الجديدة التي تهدف إلى إعداد حكومة صديقة ثم الخروج.
توماس فريدمان يُشكّك في استحقاق قرضاي للشراكة. يكتب في «نيويورك تايمز» تحت عنوان «هذه المرة نحن نعنيها» أن تصرف قرضاي يُعطي الضوء الأحمر لإدارة باراك أوباما بأنها اخترقت ثلاث قواعد: 1) أنها لم تسمِّ الأشياء بحقيقتها، «هذا حصل عندما غُض النظر عن سرقة قرضاي للانتخابات، بحجة أنه أفضل ما يمكن الحصول عليه. والذي يستطيع أن يسرق الانتخابات يسرق أي شيء». والقاعدة 2) مسببة للأولى: «لا تريدها أبداً أكثر من الآخرين. وهذا ما حصل عندما أردنا الحكم الرشيد أكثر من قرضاي».
وهذا يؤدي إلى القاعدة 3) «ما يقوله الزعماء في اللغة الإنكليزية ليس لبُّ الموضوع. المهم ما يدافعون عنه في لغتهم الأم». ويقول الكاتب: «من أحاديث قرضاي المندّدة بأميركا داخل قصره، يجب الانتباه إلى أنه يريد أن يلعب بورقة امتعاض الشارع الأفغاني من الأميركيين لتعزيز نفوذه». وعن وقوف قرضاي في الظل خلال عملية «مشترك» في مارجة، يتساءل: «هكذا تصرف عندما احتاج إلينا، فكيف سيعامل مصالحنا عندما نرحل؟».
إذا كانوا يدعونني جرواً، لأننا كنا أوفياء للأميركيين، إذاً فليكن هذا لقبي
لكن هذا الشك وضعف الثقة بقرضاي لا يُمحي أنّه يملك سيرة ذاتية «ممتازة»، جمّعها على مدى سنوات كي يستحق حلفه مع واشنطن. منذ الحرب ضدّ السوفيات، قدّم من باكستان الدعم المالي والعسكري للمجاهدين. وكان مرتبطاً بالـ«سي آي إيه».
وحين تسلمت «طالبان» الحكم في منتصف 1990، دعمها قرضاي، لكنه عاد وانقلب رافضاً أن يكون سفيرها لدى الأمم المتحدة. قال حينها إنه «يشعر بأن «آي أس آي» (الاستخبارات الباكستانية) تستخدمهم بطريقة خاطئة».
وحين كانت جحافل قوات التحالف تستعد لاجتياح نظام «طالبان»، طلب قرضاي تطهير بلاده من «القاعدة». قال: «هؤلاء العرب، مع مناصريهم الأجانب وطالبان، دمروا أميالاً وأميالاً من المنازل والبساتين والكروم. قتلوا الأفغان. دربوا أسلحتهم بأرواح الأفغان. نريدهم خارجاً».
وفي حفل تنصيبه (بعد انتخابات 2004)، حضر الملك السابق ظاهر شاه وثلاث رؤساء أميركيين سابقين ونائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، في تعبير عن عمق العلاقة بين الطرفين. رجل واشنطن دافع بشراسة عن هذه العلاقة، قال في مقابلة عام 2008: «إذا كانوا يدعونني جرواً، لأننا كنا أوفياء للأميركيين، اذاً فليكن هذا لقبي».
لكن في المقابل، فان قرضاي لم ينضم إلى صفوف الحاملين على جارته، إيران. عدّها مرّة أنّها الصديق الوحيد لأفغانستان، رغم الاتهامات الأميركية التي لا تهدأ حول دعمها لـ«طالبان» بالعتاد والسلاح وحتى التدريب فوق أراضيها. يتحدث قرضاي عن مساعدات إيرانية في عملية البناء. وحين دُعي إلى البيت الأبيض في آب 2007، رفض ما وُجّه لإيران من انتقادات قائلاً: «قاومنا الدعاية السلبية للدول الأجنبية بحق إيران، ونحن نضغط كي لا تترك الدعاية تأثيراً سلبياً على العلاقات بين الدولتين العظميين، إيران وأفغانستان». لكن موقفه من طهران أيضاً متذبذب ومزاجي. وضع أخيراً إيران وباكستان في الخندق نفسه لجهة زعزعة استقرار بلاده، وقال إنه «لا يريد أن تكون أفغانستان ساحة اقتتال للدول».
لم تبدأ الانتفاضة الغربية على قرضاي مع تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة. تعود بذورها إلى اقتناع «حاكم كابول» بأن تحالفه مع الأميركيين لن يضمن له السلطة في ظل شارع أفغاني معادٍ. عندها، حوّل أنظاره نحو الباشتون، القبيلة التي ينتمي إليها والتي تمثّل الغالبية في أفغانستان. فتح إدارات الدولة لوجهائها، وبدأ يماهي نفسهه معها، هي التي تمثّل الحاضنة الطبيعية لحركة طالبان، على حساب المصالح الأميركية. كذلك فإنه، في إطار محاولته إقامة شبكة أمان لنفسه، عقد سلسلة تحالفات مع زعماء الحرب، ولمعظمهم حسابات إقليمية تختلف عن حسابات واشنطن. فضلاً عن أنه غضّ الطرف عن زراعة المخدرات، لما لها من شعبية أفغانية، ومع ما تمثله من مصدر تمويل لطالبان وأخواتها.
في ظل هذه الأزمة، مجموعة من التساؤلات لا بد من أنها تدور في رأس واشنطن: هل أينع رأس قرضاي وحان موعد قطافه؟ أيمكن المصالح أن تتحقق من دونه؟ مَن البديل؟ هل هو حاضر أم ينبغي إعداده؟ وفي معادلة الربح والخسارة، هل بقاؤه، أقله حالياً، ضرورة لا مفرّ منها؟ وأين «طالبان»، مشروع شريك مستقبلي للحكم في خطة التسوية المحتملة، من كل هذا؟