تواصلت أمس، لليوم الثاني على التوالي، الانتفاضة الشعبية في قرغيزستان، بعدما اجتاح الناس شوارع العاصمة والمدن الرئيسية اعتراضاً على ارتفاع في ثمن الوقود
ديما شريف
باتت الولاية الثانية للرئيس القرغيزي كرمان بك باكييف على المحكّ، بعد الانتفاضة الشعبيّة ضدّه وضدّ سياساته في اليومين الماضيين، في أعقاب ثمانية أشهر على إعادة انتخابه في تموز 2009 الماضي، وسط اتهامات من المعارضة بالتزوير والفساد.
لكن باكاييف كان محبوباً من قبل وتحديداً في 2005، حين تسلّم الحكم بعد «ثورة السوسن» التي انتفض خلالها القرغيزيون ضد حكم الرئيس السابق عسكر آكاييف. الانتفاضة العفوية اليوم، كما تقول المعارضة، كان لها أسباب عديدة، اقتصادية وسياسية. فمنذ العام الماضي، وحتى قبل ذلك، كان هناك تململ في صفوف الشعب من الحالة التي وصلت إليها السياسة القرغيزية. فالرئيس باكييف تحوّل إلى ما كان عليه سلفه آكاييف، وبدأت تظهر على عائلته مظاهر المال والثراء في الوقت الذي يعاني فيه القرغيزيون من وضع معيشي صعب. وكانت ذروة الفساد، كما يقول المعارضون، هي الانتخابات الرئاسية في العام الماضي التي حصد فيها باكييف ما يزيد على ثمانين في المئة من الأصوات وسط اتهامات له بالتزوير، ساندتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي كانت من المؤسسات التي راقبت الانتخابات.
وطالبت المعارضة، ومعظم مسؤوليها اليوم في الإقامة الجبرية، بإعادة الانتخابات. ورأت أنّ حكم باكييف غير شرعي، كما قال المرشح المعارض ألماز بيك أتامباييف. لكنّ التطورات التي حصلت منذ بداية الشهر الجاري سرّعت في نزول الناس إلى الشارع؛ وقد عمدت روسيا ابتداءً من 1 نيسان الجاري إلى إيقاف التجارة التفضيلية مع بشكيك التي تشتري النفط والغاز الروسي بأسعار تشجيعية. وهذا ما أدى إلى زيادة أسعار الوقود بنسبة 3 في المئة في ليلة واحدة (ليلة 5 ـ 6 نيسان). وانعكس ارتفاع أسعار الوقود على كلّ الحاجات الأساسيّة في البلاد، وخصوصاً الكهرباء والتدفئة.
أما السبب وراء هذا القرار الروسي المفاجئ، فيعزوه البعض إلى غضب في موسكو من باكييف، الذي وعدها بإغلاق القاعدة العسكرية الأميركية التي تقع في مدينة ماناس في شمال البلاد وتستخدمها القوات الأميركية منذ 2001 في حربها ضد أفغانستان.
ففي شباط 2009، تعهّد باكييف بإغلاق القاعدة وطرد الأميركيين من البلاد، فسارعت موسكو إلى وعده بـ2.15 مليار دولار من المساعدات. لكنّ باكييف لم يفعل شيئاً تجاه الوجود الأميركي في البلاد، ما سبّب، بنظر البعض، الغضب الروسي الكبير عليه.
لكنّ بعض المحللين لا يستبعدون أن يكون هناك سبب إضافي للغضب الروسي على باكييف؛ يبدو أنّ بعض رجال الأعمال المقربين من السلطة يشترون النفط الذي تصدره روسيا إلى قرغيزستان بأسعار بخسة ويبيعون قسماً منه بأسعار السوق العالمية إلى القاعدة العسكرية الأميركية في ماناس، ويصدّرون الباقي، ما أدى إلى حصولهم على أرباح تتراوح بين 30 و50 مليون دولار في السنة.
كذلك ترددت في الشهر الماضي أنباء عن مطالبة بشكيك موسكو ببدل مالي لقاء استخدامها قاعدة كانط العسكرية خارج العاصمة. وبدأت الانتفاضة الشعبية يوم الثلاثاء في مدينة تالاس، التي تقع في شمال شرق البلاد، حين استطاع المتظاهرون السيطرة على معظم مرافقها مع انضمام عدد من عناصر الشرطة إليهم إثر سقوط مبنى الأمن في قبضتهم.
وانتشرت الشائعات عن سقوط وزير الداخلية مولغو موسى كونغاتييف بيد المتظاهرين الذين ضربوه حتى الموت.
ووصلت التظاهرات الشعبية أمس إلى العاصمة، حيث احتل المتظاهرون مبنى البرلمان وأشعلوا النار في الطبقة الأولى من مقر النيابة العامة. كما حاولوا اقتحام مبنى الحكومة ففتحت قوات الأمن النار عليهم، ما أدى إلى سقوط 19 قتيلاً على الأقل و128 جريحاً.
وأعلنت السلطة فرض حال الطوارئ، فيما قال أحد مسؤولي المعارضة تمير سارييف إنّه جرى التوصل إلى «اتفاق بين الطرفين بأن تتوقف السلطات عن إطلاق النار على المواطنين وأن تفرج عن قادة المعارضة الموقوفين».
وفي وقت لاحق، أعلنت المعارضة تأليف حكومة، بعد استقالة الحكومة الحالية، إثر اتفاق مع الرئيس باكييف، الذي غادر العاصمة إلى مدينة أوش.