أردوغان يلتقي ساركوزي بلا صور تذكارية... ولا تصريحات علنيّةباريس ــ بسّام الطيارة
عشية وصول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في زيارة رسمية، إلى باريس، سألت «الأخبار» الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية برنار فاليرو ما إذا كانت الشؤون التركية تعالج في قسم الشرق الأوسط أم في قسم أوروبا؟ وبعد تردد استغرق وقتاً، أجاب باقتضاب «في أوروبا». برهة التردد هذه بين السؤال والإجابة تختصر واقع العلاقات بين باريس وأنقرة. كل المعطيات تدل على «إمكانات الدور الذي يمكن تركيا أن تؤديه في الشرق الأوسط»، حسبما ذكر مصدر طلب كتم هويته. إلا أن ما يعكر صفو العلاقات هو «أن تركيا ذات الـ٨٠ مليون مسلم تطرق باب أوروبا».
فتركيا في أفواه المسؤولين الأوروبيين أوروبية، وفي التعاطي الاستراتيجي «شرق أوسطية»، أما في اللاشعور الأوروبي فهي قبل كل شيء إسلامية. كل ذلك مع كونها «ركناً من أركان الحلف الأطلسي» وحجر زاوية انطلاقة الحلف نحو الشرق.
وقبل حرب غزة، بدأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بنسج خطوط انفتاح على ملف الشرق الأوسط مروراً بتركيا بمساعدة قطرية بارزة وصلت إلى ذروتها في القمة الرباعية في دمشق. وبارك حينها الرئيس الفرنسي المفاوضات غير المباشرة السورية الإسرائيلية ولم يتردد من اعتبارها «إنجازاً فرنسياً ساركوزياً». ورغم ترديده مقولة «صعوبة دخول تركيا أوروبا»، إلا أنه كان يطالب بعلاقات متميزة قوية، إلى أن جاءت حرب غزة فأعادت خلط الأوراق على نحو معقد جداً. وبعدما كانت تركيا «الحليف الاستراتيجي لإسرائيل»، فإن الحرب خلقت قطيعة بين الدولتين، لا تزال أصداؤها تتردّد حتى الآن.
هكذا، استبق أردوغان لقاءه في الإليزيه مع ساركوزي ليطلق تصريحاً رناناً، يتهم فيه إسرائيل بأنها «الخطر الرئيسي على السلام في الشرق الأوسط». وأعاد التذكير بحرب غزة واتهام الدولة العبرية بـ«الاستخدام المفرط للقوة في فلسطين». وقال بتهكم: «عند استخدام قنابل فوسفورية في غزة فلن نقول برافو ونقف لنتساءل كيف يمكن التصرف في هذه الحالة؟». واستطرد بأن «الهجوم على غزة أوقع ١٥٠٠ ضحية»، واصفاً الأسباب التي ساقتها إسرائيل بأنها «عبارة عن أكاذيب»، ومذكراً بتقرير غولدستون «اليهودي».
خلافات بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإيران... والبرقع
ويقول بعض المراقبين إن الإليزيه تضايق جداً من «هذه التصريحات الاستباقية». ولعل في ذلك ما يفسر «الإرباك» الذي رافق وصول أردوغان إلى باحة القصر الجمهوري. فقد استقبله ساركوزي واصطحبه مباشرة إلى الداخل من دون الوقوف للصورة التذكارية التقليدية، رغم صيحات جمهرة المصورين الصحافيين على درج الإليزيه.
وبعد دقائق، أعلم مسؤول الإعلام المصوّر الذي يدخل عادة إلى قاعة اللقاء لالتقاط صور تذكارية بأن «حفل التصوير قد ألغي». وبعد محادثات بين الزعيمين على الغداء دامت ساعة وخمساً وأربعين دقيقة، غادر رئيس الوزراء التركي قصر الإليزيه من دون الإدلاء بأي تصريح رغم وجود الميكروفون المعد خصيصاً له.
ورغم أن مصدراً في الإليزيه ذكر أن «المحادثات كانت جيدة»، إلا أن مقربين من الوفد التركي نقلوا على نحو غير مباشر أن «الأجواء كانت ملبدة»، ليس فقط بسبب إسرائيل، لكن بسبب مواضيع عديدة. وتؤكد مصادر الإليزيه على نحو دبلوماسي هذا التوتر في اللقاء، حين تذكر ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فتقول: «لقد عرض كل وجهة نظره»، وهو ما يدل على عدم توافق.
ورغم أن أردوغان كان قد أعلن أنه «لا ييأس»، وأنه سيحاول إقناع ساركوزي بتغيير رأيه في ما خص دخول تركيا الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يبدو أنه فشل، فقد ظل الرئيس الفرنسي على موقفه الذي يدعو فقط «إلى تعزيز الشراكة» مع أنقرة. وكذلك لم يجرِ التوافق على الملف الإيراني، فساركوزي يؤيد فرض مزيد من العقوبات، بينما يدافع أردوغان عن ضرورة «أخذ المزيد من الوقت». وبالطبع لصوت تركيا اليوم وزن يتجاوز موقعها الجغرافي كـ«جارة لإيران»، فهي أيضاً عضو غير دائم في مجلس الأمن، وبالتالي فإن ما تقوله له «تأثير عددي يصطف إلى جانب المعارضين من موسكو وبكين وآخرين، وربما لبنان»، حسب قول مصدر تركي.
كذلك جرى التطرق إلى الملفات الإقليمية والدولية، إضافة إلى الشرق الأوسط، حيث أكدا، بحسب المصادر، استعدادهما لتسهيل المحادثات بين إسرائيل وسوريا.
ورغم توافق الزعيمين على ضرورة «التفكير بمبادرة قوية» في ما يتعلق بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن ساركوزي قد استبق لقاءه بأردوغان لينسب جمود «الاتحاد من أجل المتوسط» إلى «فشل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين»، معلناً ما سماه البعض «محاولة مبادرة لحشر الأميركيين» بقوله: «سنحاول إعادة إطلاق عملية السلام مع الأميركيين».
وكان من الصعب معرفة ما إذا كان أردوغان قد تطرق إلى مسألة البرقع مع الرئيس الفرنسي، إلا أن تصريحه لعدد من الصحافيين بعد الظهر أكد «الاهتمام التركي بالموضوع»، فهو «يستصعب فهم» الجدال الدائر حول البرقع في فرنسا التي وصفها بأنها «هي إحدى ركائز العلمانية الأشد رسوخاً»، ما قد يؤدّي إلى زيادة القطيعة بينه وبين ساركوزي.