ألمانيا تشتري معلومات مصرفية سويسرية مسروقة بـ2.5 مليون يوروديما شريف
لم تكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتوقع أنّ الصحافيين الحاضرين في مؤتمرها الصحافي المشترك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس منتصف شباط الماضي، سيتجاهلون الشرق الأوسط وينتقل اهتمامهم إلى مكان آخر، فانهالوا عليها بأسئلة عن صفقة شراء معلومات مصرفية سويسرية، إذ تضج الساحة السياسية والإعلامية الألمانية والسويسرية منذ أسابيع بالمعلومات عن شراء ألمانيا قرص مدمج يحتوي على أسماء 1500 ألماني تهرّبوا من الضرائب.
عندما حاصرها الصحافيون، لم تجد ميركل بداً من الإجابة. قالت إنّه يجب فعل المستحيل للحصول على هذه المعلومات. واشترت ألمانيا القرص المدمج من أحد المخبرين الذي عرضه على الحكومة الألمانية وطلب 2.5 مليون يورو. ويتوقع أن يزيد الناتج المالي من وراء الصفقة ما على مئة مليون يورو.
المعارضة الألمانية أيّدت القرار فيما رفضته معظم أطياف الائتلاف الحاكم
وعندما أعلن وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله، منذ أشهر، عن أنّ الحكومة تفكر في شراء القرص المدمج، بدأت العلاقات بالتوتر بين برن وبرلين. وأملت سويسرا أن يبقى التهديد الألماني معلقاً إلى أن قررت الحكومة شراء المعلومات. وقال شويبله، في مقابلة مع صحيفة «أوغسبرغر ألمايني»، إنّه لم يكن هناك أيّ خيار آخر.
وفي ظلّ مباركة المستشارة الألمانية للخطوة، برزت بعض الأصوات المعترضة من داخل حزبها «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» والائتلاف الحاكم حول شرعية ذلك. وقال وزير الدفاع كارل ـــــ ثيودور زو غوتنبرغ إنّه سيعاني مشكلة في استخدام المعلومات التي وصلت بطريقة غير شرعية. أما رئيس الغالبية في البرلمان الألماني فولكر كاودر فرفض الفكرة أيضاً. وقال «السرقة تبقى سرقة».
من جهته، قال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيلي إنّ الحكومة لا يجب أن تكون متواطئة مع السارقين. أما المعارضة فلم تمانع شراء القرص. وقالت زعيمة الحزب الديموقراطي الاجتماعي، اندريا ناهلز، إنّ شراء القرص ضروري من أجل العدالة. ورأت أنّ اعتراض بعض المسؤولين في الائتلاف الحكومي على العملية إعلامي فقط للحفاظ على كتلتهم الناخبة.
ويبدو أنّ المسألة قسمت الجمهور الألماني أيضاً، إذ أظهر استطلاع أجرته صحيفة شتيرن إنّ 57 في المئة من الالمان يؤيّدون شراء القرص، فيما يعارضه 43 في المئة.
وانعكس هذا الانقسام على الصحافة المحلية. فوقفت صحيفة «فرانكفورتر ألمايني زايتونغ» ضد قرار الحكومة واعتبرت القرص «فاكهة محرمة». أما صحيفة «بيلد» فرأت قرار المستشارة الالمانية جيداً.
في الجهة المقابلة للحدود، كانت الأمور واضحة: رفض أي مساس بالسرية المصرفية في سويسرا. فطالب المتحدث باسم اتحاد المصارف السويسرية، توماس ساتر، بإعادة النظر بالاتفاقات الموقعة بين الدولتين.
لكنّ الحكومة المركزية لم ترضخ. وقال وزير المالية السويسري هانز ـــــ رودولف ميرز إنّ المفاوضات بين البلدين ستستمر حول اتفاقية لتفادي الازدواج الضريبي وُقّع عليها الأسبوع الماضي. لكنّه أضاف إنّ سرقة المعلومات عمل إجرامي، وهذا سيضر كثيراً بالعلاقات بين برن وبرلين. لكنّه استبعد اتخاذ قرارات مصيرية لأن ألمانيا هي الشريك التجاري الأكبر لسويسرا.
وكان ميرز قد أكد لنظيره الألماني أنّ من المستحيل أن تتعاون برن مع برلين في أي قضية ستنجم عن شراء القرص. ويخاف بعض المراقبين من أنّ القرار الالماني قد يشجع المزيد من السرقات في المستقبل في مجال المعلومات المصرفية.
ليست المرة الأولى التي تحصل فيها ألمانيا على معلومات مماثلة
وهذه ليست المرة الأولى التي تشتري فيها ألمانيا معلومات مماثلة، إذ دفعت 5 ملايين يورو في 2007 مقابل معلومات مسروقة من مصارف الليشتنشتاين. واستطاعت تحصيل ما يزيد عللا 180 مليون يورو من الضرائب. لكنّ هذه الحادثة وترت العلاقة بين برلين والإمارة الاوروبية الصغيرة التي تعيش من وراء سمعتها كملاذ مصرفي آمن. وبررت ألمانيا ما فعلته بأنّه للمصلحة القومية.
وشهدت فرنسا موقفاً مماثلاً العام الماضي، غير أنها حلّته مع برن بداية العام، إذ أعلن وزير المال الفرنسي السابق إريك ويرت في نهاية الصيف أنّ بحوزة وزارته لائحة بأسماء 3000 فرنسي تهربوا من الضرائب وأخفوا أموالهم في سويسرا، وأنّ العائدات يمكن أن تصل إلى 3 مليارات يورو. وقالت صحيفة «لو باريزيان» آنذاك إنّ بعض الأسماء على اللائحة سرقها موظف في مصرف «أتش أس بي سي» من مشغليه. وكشف المصرف وقتها أنّ أحد موظفيه سرق في 2006 و2007 معلومات عن عملاء وأنّه مثل أمام قاض في 2008. لكنّ الموظف، الذي عرف لاحقاً أنّ اسمه إيرفي فالسياني، ظهر في فرنسا ويعيش حالياً في «كوت دازور» ويدافع عن نفسه بأنّه لم يسرق المعلومات بل كانت متوافرة له ولآلاف من موظفي المصرف حول العالم كما أنّه لم يقبض ثمنها بل «تبرّع» بها.
هذا الموضوع وتّر العلاقات بين برن وباريس. واستغلت فرنسا فرصة انعقاد منتدى دافوس في كانون الثاني لتصحيح علاقتها بجارتها. فهي أرسلت نسخة عن لائحة الأسماء إلى برن كبادرة حسن نية في كانون الأول.
ويبدو أنّ النمسا أصبحت مهتمة بالموضوع وأعلنت رغبتها في الاطلاع على المعلومات إن كان عليها أسماء نمساوية، كما قال وزير المال يوزيف بروويل.


توترت العلاقات بين برن وواشنطن العام الماضي، بعدما لاحقت إدارة باراك أوباما مصرف «يو بي إس» في سويسرا الذي اتهمته بإخفاء اموال متهربين اميركيين من الضرائب. وهدّدت أميركا برفع دعوى على المصرف فضغطت الحكومة السويسرية عليه لحماية علاقاتها بأميركا فوافق على تسليم لائحة عليها أسماء 4450 أميركياً يخفون أموالهم فيه.
وعقب حلّ القضية وقعت الحكومتان اتفاقاً يسمح بتبادل المعلومات حول التهرب الضريبي.