هو شاب وليس بشاب. تجديدي لكنه تقليدي. هو في آن، رمز لـ«الأصولية التركية»، ونموذج للمتحمسين لتركيا أوروبية حديثة ومنفتحة. إنه كمال كيليتشدار أوغلو، المتوقع أن يتربع على عرش حزب «الشعب الجمهوري»، مساء غد
أرنست خوري
يحمل المندوبون الثمانون لحزب «الشعب الجمهوري» التركي، اليوم وغداً، ملفاتهم المثقلة بخيبة استقالة زعيمهم دنيز بايكال، إثر انتشار فيلمه الجنسي، ليعقدوا مؤتمرهم الوطني وانتخاب رئيس جديد، يُتوقَّع أن يكون الرئيس الحالي للكتلة البرلمانية للحزب، كمال كيليتشدار أوغلو. قيادة جديدة لا مبالغة في ترجيح أن يكون عهدها حاسماً في تحديد ملامح مصير الحزب التركي الأعرق، الذي لم يتوقف عن تلقي الهزائم منذ عقود، وهو ما يُخشى أن يتكرّس في انتخابات برلمان 2011.
لا منافس حقيقياً لكيليتشدار أوغلو، بعدما انقسم الحزب إلى جيشين: قاعدة حزبية رشحته للرئاسة، عبّرت عنها معظم منظمات وفروع الحزب، إضافة إلى 60 من أصل نوابه الـ97، في مواجهة «نومنكلاتورا» الحزب (النخبة الإدارية صاحبة الامتيازات تاريخياً) التي لم تجد مرشحاً لها سوى بايكال الذي رفض الترشح نهائياً، أول من أمس، حتى إنّ الأخير رفض عرض كيليتشدار أوغلو بأن يُسمّى رئيساً فخرياً للحزب، بما أنّ «الشخص الوحيد الذي يستحق هذا الفخر هو مصطفى كمال».
وشابَ ترشُّح كيليتشدار أوغلو لغط كبير. فيوم وقوع «الفاجعة» في العاشر من الشهر الجاري، أي عندما استقال بايكال، رفض كيليتشدار أوغلو ترشيح نفسه. أغلب الظن أنه فعل ذلك اعتقاداً منه بأن بايكال كان يناور، وبالتالي لم يرغب بالظهور كانتهازي يسارع إلى الانقضاض على الكرسي. لكن بعد يومين، عاد الرجل ليترشح بزخم حزبي كبير، مقدماً نفسه على أنه مرشح الشباب (رغم سنواته الـ62)، وكحامل مشروع ديموقراطيته وتجديد دمه واستعادة من غادره.
ومن خريطة الإدارة المقبلة لحزبه، يظهر أن كيليتشدار أوغلو لم يرغب في تصوير نفسه كرئيس «ثوري» يقطع مع حقبة بايكال، من خلال تهميش رجاله. وقد تمكن كيليتشدار أوغلو من نيل دعم ذراعه الأيمن، الأمين العام للحزب، أوندر ساف، بالإضافة إلى قادة بارزين من أمثال فائق أوزتراك وخلوق كوش وهاكي سهى أوكاي.
أما بالنسبة للخطوط العريضة للمشروع الذي سيطبقه في رئاسة الحزب، فيُرَجَّح أن يكون معقَّداً، بما أنه محكوم بضرورتين: الأولى داخلية تنظيمية، لأنّ «الشعب الجمهوري» يخسر من شعبيته يومياً. والثانية مرتبطة بالأولى، على اعتبار أنّ على الرجل فعل كل شيء لوقف النزف في صناديق الاقتراع في انتخابات 2011.
تنظيمياً، تبدو الأمور سائرة نحو التحسّن، بعدما أعرب كيليتشدار أوغلو عن أولويته في إعادة عدد كبير من الكوادر الحزبية المستقيلة أو المعتكفة، إلى صفوف التنظيم، وهو ما لاقى أصداءً إيجابية لدى بعض هؤلاء، من أمثال فكري سغلار والنائب المستقل كامر جنش. وكيليتشدار أوغلو علماني متشدّد، شأنه شأن بايكال، وصاحب شعار مكافحة الفساد وتجديد شباب الحزب، وإن كان لا يختلف جوهرياً عن سلفه في ما يتعلق بالقضايا الداخلية المصيرية، على رأسها القضية الكردية، على قاعدة أنه «لا وجود لهوية كردية»، إضافة إلى نظرته لـ«خطر» الاسلاميين المتجسدين في «العدالة والتنمية».
ومن أبرز ما يُعرَف عنه، أنه أبرز محاور في صفوف المعارضة. فإذا كان بايكال هو الصقر والأشرس بسلاطة لسانه وشتائمه وجرأته، فإنّ كيليتشدار أوغلو، الذي عجز عن ترؤس بلدية إسطنبول بفارق ضئيل في انتخابات العام الماضي، هو الأقدر من حيث تسلسل الأفكار وقوة الحجة وسلامة المنطق.
يحلو للبعض تشبيه كيليتشدار أوغلو اليوم، برئيس الحكومة الأسبق، أحد رموز «الشعب الجمهوري»، بولنت أجاويد، الذي فاز حزبه في عهده بـ44 في المئة من الأصوات في انتخابات 1977 تحت شعار «لا يمكن تحديث تركيا قبل تحديث حزب الشعب الجمهوري». إصلاحيو «الشعب الجمهوري» اليوم، وجزء كبير منهم يعبّر عنهم كتّاب صحيفة «حرييت»، يضعون آمالاً عريضة على كيليتشدار أوغلو، بما أنّ تركيا «بحاجة ماسة لحزب يساري»، في ظل حضور قوي لكل ما هو قومي (حزبي «الحركة القومية» و«السلام والديموقراطية»)، ويميني ديني محافظ («العدالة والتنمية»).
من هنا يمكن فهم صرخة أحد أشهر الصحافيين الأتراك، حسن كمال، في صحيفة «ملييت»: «نحتاج لأن يكون كيليتشدار أوغلو، بولنت أجاويد جديداً في بناء حزب يساري جديد، بعدما حوّله دنيز بايكال إلى حزب السلطة الذي لم يفز بأي انتخابات منذ زمن طويل. نعم سيد كيليتشدار أوغلو، أتمنّى لك نجاحاً عظيماً».