إحياء ذكرى «الحرب الوطنية الكبرى» لمنع تشويه التاريخربى أبو عمّو
يُصرّ التاريخ على مواكبة الحاضر بأشكال عدّة. وها هي روسيا تستحضر التاريخ السوفياتي لمواكبة صعودها السياسي. غداً تحيي موسكو ذكرى الانتصار على النازية، مؤرخة بذلك 65 عاماً على «الحرب الوطنية العظمى» كما تسميها، في حفل يعدّ الأضخم منذ أن أعاد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الثقل لهذه المناسبة، بعدما تقلص حجمها على خلفية انهيار الاتحاد السوفياتي.
في أيار عام 1942، حين كانت الحرب العالمية الثانية في ذروتها بين الجيشين الأحمر والنازي، قال الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، فرانكلين روزفلت، ما تريد أن تسمعه روسيا اليوم: «من الصعب إنكار الحقيقة التي لا جدال فيها، وهي أن الجيوش الروسية تبيد عدداً من جنود وآليات العدو أكثر من جميع باقي دول الحلفاء الـ 25 معاً».
غداً، يتوافد آلاف المحاربين القدامى إلى الساحة الحمراء في موسكو، قادمين من مختلف أنحاء روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة. سيلتقون رفاق السلاح بعدما وفرت لهم الحكومة الانتقال المجاني. وإضافة إلى «العرض المعنوي» للسلطة، سعت جهات عدة في روسيا إلى تكريم هؤلاء المحاربين. شركة طيران «آيروفلوت» وفرت لهم بطاقات سفر مجانية إلى أي نقطة في روسيا، أو أي مدينة أوروبية دارت فيها المعارك. كما ستقدم شركات الهواتف الثلاث الكبرى لقدامى المحاربين هاتفاً خلوياً، في رصيده ما يعادل ثلاثين دولاراً.
إجراءات معنوية لإنجاح العرض، الذي من المفترض أن تشارك فيه وحدات فرنسية وبريطانية وأميركية وبولندية في العرض العسكري، بحضور رؤساء 25 دولة. رئيس ديوان الرئاسة الروسية فلاديمير كوجين قال إن بلاده «لم توجه دعوات رسمية لأي من رؤساء الدول، بل أعلنت أنها ترحب بكل رئيس يرغب في المشاركة. لذا، لن تعتب على الرئيس الأميركي باراك أوباما، أو رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، إذا لم يحضرا». وأضاف إن نحو 200 ألف شخص من الذين حاربوا على جبهات الحرب العالمية الثانية، سيشاركون في العروض العسكرية التي ستُـقام في 16 مدينةً روسية، إضافة إلى مدينة سيفاستوبل الأوكرانية.
وعلى الصعيد العسكري، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، فلاديمير دريك، أن «الطائرات ستقدم في يوم الاحتفال العسكري الكبير عروضاً فريدة من نوعها». ويشارك في العرض العسكري 150 آلية عسكرية وأكثر من 100 طائرة، بينها دبابات «ت ـ 90 أ» وراجمات الصواريخ «سميرتش» ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخية «إس ـ 400». وللمرة الأولى، ستظهر في الساحة الحمراء صواريخ «توبول إم» النووية، التي تعدّ فخر الأسلحة الاستراتيجية الروسية.
وخلافاً للعادة، أرادت روسيا هذا العام التواصل مع الصحف اللبنانية الثلاث الأولى للحديث عن الانتصار. تحدث المنسق الإعلامي والثقافي في الإدارة، سيرغي فورليوم، عن الحرب وخسائرها، وقارن بين تضحيات الجيش الأحمر وباقي الحلفاء. قال إن «السوفيات دمروا ثلاثة أرباع الجيش الألماني في الجبهة الشرقية. وبعد فتح الجبهة الغربية، كانوا يقاتلون 4 ملايين ونصف ألماني في الشرق، في مقابل 560000 جندي في الغرب». أما الحديث عن «محاولة الغرب وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق تشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية»، كما تقول روسيا، فكان برأي بعض المحللين سبباً إضافياً. إذ ترى بعض الدول الغربية أن تحرير أوروبا الشرقية من الاحتلال الهتلري كان توسعاً سوفياتياً، وسبباً للحرب الباردة. ولم يكن من الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف إلا أن وقع مرسوماً العام الماضي، نص على تأليف لجنة لدراسة حالات تزوير حقائق التاريخ، عازياً السبب إلى «تصرفات بعض السياسيين المعزولين الذين أخذوا يفسرون وقائع الحرب بطريقة مشوّهة، من أجل الحصول على نقاط إضافية في لعبة السياسة». وأوضح أن «جوهر المسألة يتلخص في مستقبلنا، في تلك الذكريات التي سنورثها لمن سيأتي بعدنا»، مضيفاً «لولا الدور الذي نهض به الجيش السوفياتي في هذه الحرب، ولولا تضحيات شعبنا، لكان لأوروبا وجه آخر، ولما كانت ناجحة ومتطورة».
وتشير إحدى المقولات إلى إن إصرار روسيا على الاحتفال بهذه الذكرى يشير إلى أنها تسعى إلى التعويض من خلال التاريخ عن حاضرها. إلا أن فورليوم رفض هذا الأمر، قائلاً «نحن نقوّم التاريخ من أجل الشعب وتكريس القومية لديه، وسنحتفل بعد عامين بانتصارنا على نابوليون في عام 1812».
من جهته، يستذكر السفير الأوكراني في لبنان، فلاديمير كوفال، أنه في عام 1979، كان يشارك في أحد المؤتمرات في مركز «الناسا» في الولايات المتحدة. «أصرّت إحدى المشاركات الأميركيات على أن أول رائد فضاء كان أميركياً. إلا أنني أكدت لها أنه كان من الاتحاد السوفياتي. أصرّت على موقفها إلى أن أكد لها زميلها صحة ما أقوله. فبدأت تصرخ». ويضيف «إنها مسألة تربية. أميركا تعلّم مواطنيها أنها الدولة الرائدة في جميع المجالات».
ويبقى إصرار بعض الجهات على المقارنة بين ستالين وهتلر. يقول كوفال «لو سألت هذا السؤال قبل 50 عاماً، فلن يكون لديّ جواب». إلا أنه اليوم لديه نظرته الخاصة. يقول «إن التوأمين يشبه أحدهما الآخر، إلا أن طباعهما مختلفة. الرجلان استخدما الأسلوب نفسه أي إراقة الدماء، مع فارق أن ستالين مارس ذلك داخل بلاده، فيما كان هتلر عالمياً».
للحرب العالمية الثانية قصص كثيرة. الاتحاد السوفياتي قال قصته. النصر على يد ستالين. ولن تفلح محاولات «تشويه» هذه القصة. فتاريخ 9 أيار عام 1945، هو أيضاً خط أحمر.


لبنان يحتفل أيضاًفي شوارع بيروت والبقاع والشمال والجنوب، لوحات إعلانية ذات وجهين، كتب على إحداها «الذكرى الـ65 للانتصار على النازية»، قدمها مركز «ترويكا» للدراسات، فيما حمل الثاني الجملة عينها، إضافة إلى صورة لستالين، قدمتها جمعية متخرجي الاتحاد السوفياتي السابق.
وإلى حانب هذه اللوحات، نظّمت السفارة الروسية في لبنان لقاءً للاحتفال بالانتصار على النازية في أوتيل «فينيسيا»، شارك فيه للمرة الأولى، السفارات: الأوكرانية، الكازاخستانية والأرمينية.
وكان لافتاً عدم حضور السفيرة الأميركية في بيروت، ميشيل سيسون، رغم دعوتها، ليحضر فقط عدد من الدبلوماسيين.