لوبي يهودي أوروبي يطلق «نداء عقل» للجاليات باريس ــ بسّام الطيارة
«جي كول»، مسمّى جديد للوبي يهودي ضاغط، لكن هذه المرة في اتجاه عدم تأييد السياسات الإسرائيلية التي «تمثّل خطراً على إسرائيل». البرلمان الأوروبي احتضن أول من أمس حفل إطلاق اللوبي الجديد، بحضور نحو 400 شخص ممثّلين لنحو 5000 وقعوا على عريضة «جي كول» التي تطالب بالتوقف عن التأييد التلقائي لسياسة إسرائيل.
ويمكن وضع حركة «جي كول» الأوروبية، التي تأتي في سياق مبادرة «جي ستريت» الأميركية، في خضم عملية «مبارزة القوة» بين الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما ورئيس وزراء الدولة العبرية بينامين نتنياهو. وكلتا العريضتين يمكن اعتبارها خطوة مضادة لمقالات نشرها رئيس الكونغرس اليهودي العالمي رون لاودر والكاتب اليهودي الحائز جائزة نوبل إيليا فيزل، المقرّبان من نتنياهو، في الصحف الأميركية الكبرى على شكل إعلانات، مطالبين فيها الإدارة الأميركية وأوباما بالكف عن ممارسة ضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن تجميد البناء الاستيطاني في القدس.
ويمكن وصف انتقاد الموقّعين على العريضة الأوروبية لمواقف الجالية اليهودية، وهي يمينية عموماً ومؤيدة بصورة عمياء لسياسات الحكومات في تل أبيب، بأنها مبادرة «أدبية معنوية أخلاقية»، لأن دعم تل أبيب من دون تبصّر بات «يمثّل خطراً داهماً» حسب رأي هؤلاء.

دار النداء حول أربع نقاط تتوجه إلى عقول الجاليات اليهودية في الغرب

وكانت مجموعة منهم تضم دانيال كوهن ـــــ بنديت وفنسان بييون، وهما نائبان في البرلمان الأوروبي، والكاتب الفيلسوف برنار هنري ـــــ ليفي و«زميله» ألان فينكيلكروت المعروفان بمواقفهما المنحازة إلى إسرائيل، قالت إن اللوبي الجديد يعمل على «إخراج مواقف اليهود الأوروبيين الذين ظلوا صامتين مدة طويلة إلى العلن، وإسماع صوت يهودي يكون متضامناً مع دولة إسرائيل، ولكن منتقداً لها في ما يتعلق بالخيارات الحالية لحكومتها». وقد شدد «النداء» (العريضة) على أنه «لا يجب التقليل من خطر التهديدات الوجودية التي تجابه إسرائيل»، إلا أنه أيضاً أشار إلى أن «الخطر يكمن في الاحتلال واستمرار توسع الاستيطان في الضفة الغربية وفي أحياء القدس الشرقية»، قبل أن يضيف أن الاستيطان «خطأ سياسي وأخلاقي».
وقد دار النداء حول أربع نقاط تتوجه إلى عقول الجاليات اليهودية في الغرب وعبرها إلى الحكومات الأوروبية الغربية. نقاط يمكن اختصارها بما يأتي:
1ـــــ إن مستقبل إسرائيل «يحتّم بالضرورة إنشاء سلام مع الشعب الفلسطيني»، حسب مبدأ «دولتين لشعبين»، وذلك في أسرع وقت ممكن، قبل أن تدهم إسرائيل «خيارات كارثية»؛ إما أن تصبح دولة تضم «أقلية يهودية» وإما تتحول إلى «نظام معيب لدولة إسرائيل يحوّلها إلى حلبة حروب أهليه».
٢ـــــ يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة «الضغط على الطرفين ومساعدتهما للوصول إلى حل سريع». ولأوروبا بسبب تاريخها مسؤوليات في هذه المنطقة من العالم.
٣ ـــــ مع الاعتراف بأن «القرار النهائي هو في يد شعب إسرائيل الحر»، إلا أن قوة تضامن الجاليات اليهودية في العالم تفرض عليها أن يكون القرار صائباً، إذ إن «الانحياز الدائم لقرارات الحكومات الإسرائيلية هو خطر»، لأنه يذهب في اتجاه معاكس لمصلحة إسرائيل العليا.
٤ ـــــ نريد إطلاق حركة «تسمع صوت العقل للجميع» وتكون فوق الانقسامات، وتعمل على خلاص إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون وجود دولة فلسطينية.
وفي مقابلة مع موقع مجلة «نوفل أوبسرفاتور»، قال أحد أبرز المبادرين إلى النداء، وهو دافيد شملا، الذي يرأس «حركة السلام الآن ـــــ فرع فرنسا»، «نحن نتحدث كأصدقاء لإسرائيل ونقول: أنتم مخطئون».
بالطبع اندفعت الأصوات المناهضة لهذه المبادرة تنتقد «من لا يريد العيش في أرض إسرائيل ويريد إملاء ما يجب على إسرائيل أن تفعله». وكان أعنفها ما ورد على موقع «مائير بن هيون»، الذي قال إنه «يشك في أنّ من وقّع على هذا النداء يحب إسرائيل». وزاد أن من الخطأ التوجه نحو «الغويم» (الأجانب) للضغط على بني إسرائيل، متهماً العريضتين بفتح حقبة «ما بعد الصهيونية» التي تنزع الشرعية عن إسرائيل.

«الاتحاد اليهودي من أجل السلام» رفض توقيع النداء لغياب ذكر الفلسطينيين

أما ريشار باسكيه، رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، فكان ردّه أيضاً بصيغة مقال في «الفيغارو» مناوئاً للنداء، مع اعترافه بوجود «تفاوت في وجهات النظر داخل مكتب المجلس»، وأن عدداً من الموقّعين هم «ممن تشهد لهم مواقفهم السابقة على حبهم لإسرائيل». ويتساءل كيف يمكن وصف الاستيطان (استعمار) بـ«الخطأ الأخلاقي»، وخصوصاً في القدس المحتلة التي يعدّها «قلب اليهودية وعاصمة إسرائيل».
إلا أن «الاتحاد اليهودي من أجل السلام» خرج بموقف مغاير تماماً، إذ إنه شدد على أن من أسباب امتناعه عن التوقيع على هذا النداء هو «الغياب التام لذكر الفلسطينيين من النداء» الذي يسعى فقط «لإنقاذ إسرائيل»، معلناً رفضه لكل «ما يمكن أن يدغدغ حلم الإسرائيليين بأنه يمكن بناء كيان بين البحر المتوسط ونهر الأردن يكون ملجأً لليهود وخارجاً عن كل أطر القوانين الدولية وعن أدنى شعور إنساني تجاه شعب لا يزالون يتجاهلون مصيره».
يمكن ملاحظة أن الردود على النداء الأخير جاءت متشابهة ومدروسة من حيث «المضمون الألسني»، وترددت تقريباً لدى جميع من تصدى للنداء، حيث حاكى منطق الرد صوراً رمزية لدى اليهود عموماً من خلال «وضعهم» على ضفة، بينما الدول الأخرى (الغويم) على ضفة أخرى، وهي تريد فرض الحلول عليهم، مع التذكير اللاشعوري بمواقف «الآخرين» الذين لم يحرّكوا ساكناً في الماضي لإنقاذ اليهود من المحرقة.


«حماقة الموساد»

الردود المناهضة للعريضة ركّزت على أن «الذي يعيش في خارج إسرائيل لا حق له في انتقاد من يتحمّل الخطر اليومي» على الأرض، وهي بذلك تعود لتحكّ عقدة الذنب التي يعيشها اليهود الأوروبيون عند كل حملة تدعوهم إلى العودة للعيش في إسرائيل.
إلا أن اللعب على هذا الوتر يمكن أن ينقلب على مطلقيه، وخصوصاً أن التحقيقات في استعمال «الموساد» لجوازات سفر أوروبيين هاجروا إلى إسرائيل لتنفيذ جرائم في الدول العربية لا تزال جارية، علماً بأنها سبّبت قلقاً كبيراً لحاملي الجنسيات المزدوجة.
وليس من المستبعد أن «حماقة الموساد»، كما ينعتها أحد أبناء الجالية اليهودية، كانت وراء إطلاق هذ النداء، بعدما «صعد بنيامين نتنياهو إلى جبل الغرور» برفضه مطالب باراك أوباما، كما يصفه يهودي فرنسي، مستذكراً مثلاً عربيّاً يقول «كل ما زاد عن حدّه انقلب إلى ضده».