تسرّب 5 آلاف برميل يومياً إلى مياه المحيط... وإجراءات المعالجة تحتاج إلى 3 أشهرنيويورك ــ نزار عبود
سبّب انفجار في خطّ أنابيب بحري يبعد سبعين كيلومتراً عن ساحل ولاية لويزيانا كارثة ستخلف آثاراً بيئية واقتصادية قد تصل إلى شمال أوروبا وتعطل شواطئ ميامي التي تستقبل السياح من مختلف أنحاء العالم.
الكارثة شبهت بحريق آبار النفط الكويتية من حيث صعوبة معالجتها، وبحادثة تسرب 11 مليون برميل من الناقلة أكسون فالديز في ألاسكا في نهاية الثمانينيات. حادثة قد لا يتم التوصل إلى حل لها قبل مرور ثلاثة أشهر. فالرياح العاتية التي صاحبت الحادث جعلت حركة المهندسين شاقة وحالت دون ممارسة عمليات تنظيف سريعة تتيح حماية السواحل ومزارع السمك. كما تفاقم القلق من انتشار التلوث إلى سواحل ولايتي ألاباما وميسيسيبي.
خط الأنابيب الذي يتسرب منه النفط يخصّ إحدى الآبار البحرية العميقة. ونتيجة لصعوبة المعالجة، يفكر المهندسون بحفر بئر محاذية لتخفيف الضغط عن البئر المعطّلة. لكن ذلك قد لا يتأتى بين ليلة وضحاها، بل سيستغرق أشهراً. لذا وصف وزير الداخلية الأميركي كين سالازار السيناريو بأنه «خطير للغاية... ونخشى أن يمر 90 يوماً قبل بلوغ الحل المثالي، الذي يقضي بحفر بئر أخرى على عمق ثلاثة أميال ونصف تحت قعر البحر».
بعد حفر البئر المحاذية، ينوي الفنيون ضخ مادة الاسمنت عبره إلى البئر المتضررة لصنع سدادة توقف تدفق كميات النفط في المحيط.
ولقد باءت بالفشل كل محاولات إصلاح أنبوب النفط بواسطة غواصات روبوتية عملت على عمق ميل كامل تحت سطح المحيط.
التسرّب النفطي يذكّر بحادثة الباخرة «أكسون فالديز» التي قضت على أسماك وطيور
وقد حدث التلوث النفطي الفادح جراء انفجار وقع في 20 نيسان الماضي في البئر البحرية «ديب ووتر هورايزون» أدى إلى مصرع 11 موظفاً وإلى غرق الرصيف البحري الذي يضم معدات البئر. ولم يشعر أحد بالتسرب النفطي إلا بعد يومين من وقوع الانفجار، فيما يتم التدفق بمعدل يصل إلى خمسة آلاف برميل يومياً. ومع تعثر جهود الإصلاح، أسقط في يد السلطات الأميركية. فالنفط سيبقى يتسرب طيلة أشهر، على أقل تقدير ومعه تتبدد، إلى جانب النفط الثمين، الثروة السمكية في المنطقة. وحظرت الوكالة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي صيد السمك لمدة عشرة أيام ابتداءً من نهار الأحد في المنطقة الواقعة بين ساحل لويزيانا عند مصب نهر ميسيسيبي وحتى خليج بينساكولا في ولاية فلوريدا.
حلول أخرى جرى تداولها قضت بإسقاط قبة فولاذية ثقيلة على بئر النفط العميقة، كما اقترح رئيس شركة «بريتيش بتروليوم ـــــ أميركا» لامار ماكيه في مقابلة تلفزيونية. وهذا يحتاج إلى جهود قد تستغرق أسبوعاً. لكن كل شيء يتوقف على هدوء العاصفة التي تضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وكشف الحادث فداحة الخطأ الفني في صناعة نفطية قديمة، على يد شركة بريطانية عريقة ذات باع طويل في التعامل مع الآبار النفطية العائمة. واعترف مدير الشركة بالتقصير التقني في تركيب صمامات احترازية للتأمين من حوادث كهذه.
وجاء الحادث بعد أسابيع من إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما فتح الباب أمام المزيد من التنقيب البحري. قرار استدرج معارضة شديدة من أنصار البيئة. وبعد الحادث الأخير، قررت الإدارة وقف المشاريع ريثما يتم تقييم البحيرة النفطية التي تطفو فوق مياه خليج المكسيك وانتشرت إلى المضيق الجنوبي، وهي قناة مهمة تعبر المستنقعات المالحة للساحل الجنوبي الشرقي من ولاية لويزيانا وتستخدم كمزارع لتربية أحياء بحرية غذائية نفيسة. مزارع تدرّ أرباحاً كبيرة على أصحابها، ويعتاش منها عدد كبير من ذوي الدخل المتوسط.
الحل المثالي يقضي بحفر بئر أخرى على عمق ثلاثة أميال ونصف تحت قعر البحر
كثيرون شبّهوا ما جرى بإحراق حقول نفط الكويت مع فارق عدم احتراق النفط هناك. لكن التحدي التقني الذي استخدم في إخماد الحرائق الكويتية، يشبه التحدي الذي يستخدم لسد البئر في خليج المكسيك. أما من ناحية التلوث فهو يشبه حادثة الناقلة «أكسون فالديز»، التي كانت تتجه من ألاسكا إلى لونغ بيتش في كاليفورنيا. الحادثة التي وقعت عام 1989 أدّت إلى تدفق نحو 11 مليون برميل من النفط الثقيل في منطقة برنس وليامز ساوند وإلى كارثة بيئية وأخرى تأمينية لا مثيل لهما. مئات آلاف الطيور نفقت، فضلاً عن أنواع من الفقم والحيتان وأنواع نادرة من النسور، الأمر قد يتكرر في الكارثة البحرية الجديدة في حقل «ديب هورازون»، كما في المستنقعات الساحلية المالحة لتربية الأسماك والأحياء المائية النفيسة. وهناك مخاوف أيضاً من أن عدم السيطرة على انتشار التلوث النفطي قد يفضي إلى وصول النفط إلى التيارات البحرية مثل «غلف ستريم». وهو تيار حيوي يتولى تدفئة مياه البحر ويؤثر على المناخ في العديد من المناطق النائية مثل شمال أوروبا. وهذا يعني أن التلوث معرض لأن يعبر المحيطات والقارات ويسبب كوارث بيئية واقتصادية عالمية، تضاف إلى الكوارث القائمة وكان آخرها بركان أيسلندة.
ولاية فلوردا قلقة خصوصاً من تلوث ساحلها الرملي النفيس، الذي يمثّل مصدراً رئيسياً من مصادر دخلها من السياحة. وهذا ما يرجح حدوثه في وقت عاجل، ما يعني أن موسم الاصطياف الذي يدرّ مليارات الدولارات على الولاية مهدد بالكساد التام. أمر يفاقم أزماتها الاقتصادية القائمة، ويسرّع وتيرة هبوط عقاراتها الغالية.


حمل حادث خط الأنابيب البحري في لويزيانا الرئيس الأميركي باراك أوباما براً إلى فينيس في ولاية لوس أنجلس، من أجل التشاور مع مأموري خفر السواحل في تداعيات الحادث. وقال أوباما إن التسرب النفطي قد يدوم أياماً أو أكثر قبل التمكن من وقفه. ووصف الوضع بأنه «كارثة بيئية لا سابقة لها». ودافع من تحت الأمطار عن أداء حكومته بالتأكيد أن الحكومة هيّأت نفسها لأسوأ الظروف، معرباً عن الأمل بحدوث معجزة.