خاص بالموقع- مثل دكتاتور بنما السابق مانويل نورييغا (76 عاماً) أمام القضاء الفرنسي بتهمة تبييض حوالى 2,3 مليون يورو من أموال تهريب المخدرات وهي تهمة يواجه عليها حكماً بالسجن عشر سنوات بعدما قضى 20 عاماً في السجون الأميركية. ومثل نورييغا أمام المحكمة على بعد أمتار قليلة من بناته الثلاث اللواتي قدمن لدعمه. وبدأ محاموه بإثارة سلسلة من الطعون وطالبوا بأن يكون التعاطي معه على أنه أسير حرب.
وتساءل المحامي أوليفييه ميتزنر أحد محامي نورييغا «المشكلة تكمن في معرفة هل لدى فرنسا القدرة على محاكمة رئيس دولة سابق، فيما العادة وفقه القضاء يحظران ذلك».
وقد حوكم نورييغا في فرنسا غيابياً سنة 1999، وأدين بالسجن عشر سنوات وغرامة خاصة للتسبب في أضرار قدرها 11,2 مليون يورو، وغرامة أخرى جمركية قدرها 2,3 مليون يورو بعد إدانته بتبييض أموال في فرنسا لعصابة المخدرات الكولومبية في ميديين.
وأكد الجنرال دائماً أنّ الأموال التي استثمرها في فرنسا مصدرها ثروته الشخصية وتحويلات من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي. اي. ايه). وهو يرى أنّ التهم الموجهة له لا تستند إلا الى تصريحات كاذبة لشهود جمعتها السلطات الأميركية.
وكانت محكمة الجنح في باريس قد أصدرت مذكرة توقيف دولية بحقه. وبناءً على هذه المذكرة، جرى ترحيل الجنرال المسجون في ميامي (فلوريدا) منذ 1990 بتهمة تهريب المخدرات، من الولايات المتحدة الى فرنسا في 26 نيسان.
وما إن وصل الى فرنسا حتى طعن نورييغا في الحكم الصادر بحقه سنة 1999، في خطوة تمنح لكلّ متهم محاكم غيابياً، واستند الى حصانته كرئيس سابق مشدداً على تدهور حالته الصحية، إذ إنه يعاني من شلل جزئي وارتفاع في ضغط الدم.
ولدى مثوله في جلسة في 28 أيار لطلب الإفراج عنه، رفضته المحكمة، حمل مانويل نورييغا وسام جوقة الشرف الذي قلّدته إياه فرنسا سنة 1987 والذي سيسقط عنه إذا أدين.
ولطالما كان ديكتاتور أميركا الوسطى حليفاً للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، لكنّه فقد مكانته المميزة لدى واشنطن لتورطه في تهريب المخدرات. وأطيح، ثم قبض عليه في 1989 في تدخل أميركي أمر به الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في بنما.
وحكم عليه حينها بالسجن 40 عاماً في الولايات المتحدة بعد إدانته بتهريب المخدرات وأودع السجن في فلوريدا ثم خففت عقوبته الى 17 عاماً لحسن سلوكه. ووافق قاض فدرالي أميركي على ترحيله الى باريس.
وتحضر جمهورية بنما مجدداً الاثنين في المحاكمة كطرف مدني، غير أنّ الحكومة البنمية أعلنت أنّها تحترم قرار الولايات المتحدة «السيادي» بترحيل الدكتاتور السابق الى فرنسا، لكنّها طلبت أيضاً تسلّمه لمحاكمته في بلاده.
وحكم على الجنرال نورييغا في بنما بالسجن 54 سنة لتورطه المفترض في اختفاء واغتيال معارضين بين 1968 و1989.
وأعلنت باريس أنّ تسليم نورييغا المحتمل الى بنما لن يحصل إلا بعد مثوله أمام القضاء الفرنسي.
ومنذ وصوله الى باريس، يعتقل نورييغا في سجن لاسانتيه. ولم يكفّ محامياه أوليفييه متزنر وإيف لوبركييه عن الطعن في ظروف اعتقاله. ورغم مطالب عدة بالإفراج عنه، أمر القضاة بإبقائه قيد الاعتقال، بمبرر أنّ ثمة «مخاطر كبيرة لفراره».
ويتوقع أن تستمر المحاكمة حتى الأربعاء، على أن يصدر الحكم في الخريف.
وولد نورييغا القصير القامة والبدين، صاحب الوجه المستدير الذي يثير سخرية أعدائه، في 11 شباط 1934 في بنما في عائلة فقيرة كولومبية، وكان يتطلّع الى أن يكون طبيباً نفسيّاً، لكنّه انخرط في الجيش.
وبعد المشاركة في انقلاب الحادي عشر من تشرين الأول 1968 ضد الرئيس أرنولفو آرياس أخذ في الارتقاء بدفاعه عن الرجل القوي حينها قائد الجيش الجنرال عمر توريخوس. وقاد نورييغا حينها أجهزة الاستخبارات.
وتحول الى مخبر لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية التي دفعت له أموالاً مقابل خدماته، لكنّها اتهمته سنة 1970 بالتواطؤ في تهريب مخدرات بين أميركا اللاتينية والولايات المتحدة كما انتقد لطرقه التعسفية. وطيلة عشرين سنة، تمكن نورييغا ببراعة من التهرب من المخاطر المحدقة به.
لكن بعد مقتل توريخوس في حادث مريب لسقوط طائرته سنة 1981، اتهم نورييغا بتحمل مسؤوليته، تحول الى رجل بنما القوي. وفي 1983 رقّي الى رتبة جنرال وعيّن قائداً للحرس الوطني. وبات ارتقاؤه حتمياً. وخلال سنوات الحكم الثماني من 1981 الى 1989، عايش ستة رؤساء جمهورية أقل نفوذاً منه.
ومارس نورييغا قمعاً في الداخل ونقل أموالاً كثيرة الى أوروبا، وكان حزيران 1987 منعطفاً في بلاده عندما تكثفت التظاهرات الضخمة ضد الفساد ومن أجل الديموقراطية. وفي الثلاثين من حزيران 1987 تخلت عنه الحكومة الأميركية.
وفي شباط 1988 اتهمته لجنة محلفين في ميامي بتهريب المخدرات وتحويل بنما الى مركز تبييض أموال عصابة مديين لتهريب المخدرات. لكن نورييغا الذي اعتمد حينها خطاباً مدافعاً عن العالم الثالث ومناهضاً للولايات المتحدة، تحدى واشنطن التي فرضت على بنما عقوبات اقتصادية.
وألغى نورييغا في العاشر من أيار 1989 انتخاب الرئيس غييرمو أندارا، وفي اليوم التالي أجرى الجيش الأميركي مناورات بحرية قبل اجتياح البلاد في العشرين من كانون الثاني. ولجأ نورييغا الى سفارة الفاتيكان حيث اعتصم فيها أسبوعان قبل أن يستسلم ويقتاد الى ميامي حيث أدين بالسجن لمدة أربعين سنة، خفضت الى عشرين لحسن سلوكه ثم الى 17 سنة.
ويدافع نورييغا اليوم عن نفسه بالقول إنّ الأموال المتهم بتبييضها مصدرها ميراث من شقيقه وثروة زوجته وما كسبه من سي. اي. ايه.
(أ ف ب)