باريس ــ بسّام الطيارةلا فكاهة بعد الآن ولا ضحك ولا كوميديا في الإذاعة الفرنسيّة، أما السبب، فليس الخسارة المهينة والخروج من الدور الأول في كأس العالم، بل بسبب «طرد الصحافيَّين» ستيفان غيون وديديه بورت، اللذين اشتهرا بالتعليق على الأحداث السياسية بصيغة تهكّمية، وينتظر برنامجهما ما يزيد على مليوني مستمع يومياً.
مليونان هو أيضاً الرقم التقديري للمتظاهرين الذين نزلوا إلى شوارع فرنسا أمس. والسبب ليس خسارة فريق «الديوك» بل الاعتراض على خطط حكومية لإصلاح نظام التقاعد ورفع السن القانونية له. وقد تخوّف العديدون من أنّ «تغطّي أحداث الكرة» على الإضراب، وخصوصاً أنّه أُعلن عن عملية جراحية للّاعب فرانك ريبيري في الوقت نفسه الذي كان فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الإليزيه يستقبل اللاعب تيري هنري.
وعلمت «الأخبار» أنّ الأمين العام لنقابة العمال العامة، «سي جي تي»، برنار تيبو، وجّه رسالة إلى وسائل الإعلام مفادها «أنّ خسارة الفريق الوطني وللأسف وراءنا، بينما الحشد لمواجهة مشروع نظام المعاشات لا يزال في بدايته».
وبالفعل لم تؤثّر «فضيحة الكرة» على عدد المشاركين في التظاهرات والإضراب، إذ نزل الآلاف من عمال النقل إلى الشوارع ما أثر في حركة القطارات والطيران والمترو. كما نظّم المدرّسون والموظفون في الخدمة العامة إضراباً. قد يكون التأثير الفعلي على المواطنين أقل ممّا هو متوقع بسبب قوانين جديدة سنّتها حكومة ساركوزي منذ سنة تحت عنوان «تأمين حد أدنى من سير العمل». وهكذا، فإنّ الإدارات العامة لم تتأثر كثيراً رغم خروج ٢٠٠ تظاهرة في أنحاء فرنسا، وهو ما يرى فيه البعض «قياس موازين القوى تحضيراً لمواجهة ساخنة» بين النقابات الفرنسية القوية وساركوزي.
ويرى مراقبون أنّ ساركوزي ينجح كثيراً في «إدارة توقيت المشاريع التي تثير معارضة»، ففرنسا اليوم على أبواب العطلة الصيفية، والطلبة في خضم امتحانات نهاية السنة، وكان من المفترض أن يكون «الشعب متلهّياً» ببطولة كأس العالم، بينما من المتوقع أن تقرّ الحكومة القانون في منتصف شهر تموز حين يكون «نصف المواطنين في الإجازة» ليعود البرلمان ويدرسه لإقراره في أيلول مع «عودة الحياة إلى المدينة».
يوافق الجميع الحكومة على ضرورة إجراء تغييرات وإصلاحات على نظام التقاعد، إذ إنّّ من المتوقع أن يبلغ العجز السنوي في ميزانية صندوق التقاعد ١٠٠ مليار يورو بحلول ٢٠٥٠. وتركّز الخطط الحكومية على رفع الحد الأدنى لسن التقاعد إلى ٦٢ عاماً، ما يمثّل كسراً لإحدى المسلّمات الاجتماعية في فرنسا، إذ يعدّ التقاعد عند سن ٦٠ إنجازاً ومكتسباً لم تمسّه الحكومات السابقة.
كان المواطن الفرنسي في الطبقات المتوسطة «يحلم» خلال سنوات عمله الطويلة بالوصول إلى سن التقاعد، وكان هذا الحلم هو محرك المواظبة، رغم تراجع القدرة الشرائية وخطر البطالة، بينما الذين سقطوا في مربّع البطالة أو الذين عجزوا عن الوصول إلى فرصة كان «سيرك الرياضة الجماعية» يعبّد لهم طرق أحلام تبعدهم عن واقعهم الأليم. في أسبوع واحد قضت تحولات المجتمع الفرنسي على أحلام العاملين، وعلى أحلام غير العاملين ودفعت بهم إلى الشوارع.
لم يستطع المعلّقان المطرودان من عملهما إلّا «التهكّم على قرار فصلهما»، وتساءلا أمام مجموعة من الصحافيّين قبل التوجه ربما للمشاركة في إحدى التظاهرات، «غريب أن نُطرد قبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، أليس كذلك». في هذا التساؤل جواب على التحضيرات للانتخابات الرئاسية. فساركوزي يود الانتهاء من «الملفات التي تزعج» قبل الدخول في المعركة الانتخابية. وهو يريد أن يقول لناخبه اليميني وللطبقات الغنية «لقد نفّذت ما وعدت به»، ولكنّه في الوقت نفسه لا يريد أن تتذكّر الطبقات الفقيرة والمتوسطة أنّ المرشح الذي يطلب أصواتها هو الذي «غيّر وجه فرنسا».