دخلت الحرب في أفغانستان مرحلة حرجة وتكبّدت قوات التحالف خسائر جسيمة، ما خلق إرباكاً انتهى باستبدال قائد الحرب. في ظل هذا الوضع، تضاءلت خيارات واشنطن. عليها الآن أن تُعيد وضع استراتيجية جديدة قد تنطوي على تصعيد العمليات العسكرية ثم انسحاب يحفظ لها ماء الوجه، إذ إن النجاح أو الفشل في أفغانستان سينعكس حتماً على مجمل الملفات الإقليمية الساخنة
شهيرة سلوم
الأمور في أفغانستان ليست على ما يرام. الأرض غير آمنة لجنود التحالف. والقوات تتلقى ضربات نوعية هي الأشرس منذ بدء الحرب. وعدد الخسائر في صفوفها بازدياد مطّرد. الخلاف يدبّ داخل الفريق الأمني لواشنطن، وتحديداً بين الجيش والبيت الأبيض، والأزمة تتصاعد وتنتهي باستبدال قائد القوات في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بمهندس العملية الجراحية في العراق دايفيد بترايوس. عوامل تشير إلى فشل استراتيجية أوباما ـــــ ماكريستال للحرب، وتصدّع في جبهة التحالف، فكيف أغرقتهم وحول أفغانستان؟
آخر تطورات المعارك تنتهي في قندهار، مكان ولادة «طالبان» ومقبرة السوفيات. بُعيد الانتهاء من عملية «مشترك» في بلدة مارجة، أحد المعاقل الأساسية لـ«طالبان» والأفيون، التي انتهت بنصر مزعوم من دون مقاومة طالبانية ورافقتها حملة إعلامية واسعة أشاعت أن المعركة في البلدة ركن أساسي للانتصار في الحرب الشاملة، أُطلقت الوعود بصيف حار مقبل على قندهار.
لكن الحال داخل المعقل الروحي لطالبان اختلفت. هذا على الأقل ما تشير إليه نتائج المعارك الميدانية. وعد ماكريستال بعملية واسعة تنطلق في حزيران وتنتهي في آب. وصُوّرت قندهار على أنها الاختبار الحرج لاستراتيجية باراك أوباما، وأنها المعقل الشرس لطالبان والمعركة الأكبر منذ بداية الحرب وأن الظفر بها يعني النصر بالحرب، وغيرها من أمور مشابهة لما قيل عشية إطلاق حملة «مشترك» في مارجة.
لكن ما إن بدأت أفواج فرق النخبة في الجيش الأميركي الدخول إلى المقاطعة، حتى بدأ الحديث عن معركة بطيئة وطويلة. وجرى تمديد الفترة الزمنية حتى الخريف، بل إن ماكريستال رماها حتى أواخر العام (يتوقع أن يراجع البيت الأبيض استراتيجيته بخصوص الحرب في كانون الأول).
ورأى ماكريستال أن السبب هو صعوبة استقطاب السكان المحليين (يناهزون مليوني نسمة، ومدينة قندهار وحدها تحتضن نحو مليون)، الذين ينظرون إلى قوات التحالف على أنها محتل وإلى «طالبان» على أنها مقاوم. والسبب الثاني يعود، بحسب ماكريستال، إلى المقاومة الشرسة التي تبديها «طالبان».
ويُفترض أن تركز الحملة على قندهار على ثلاث مناطق: المناطق الخارجية، والأطراف الدائرية للمدينة (ولا سيما مايواند وأرغانداب وبنجواي وزهاري التي توجه إليها آلاف الجنود للانتشار كما جرى مع بغداد في 2007، على حد تعبير مسؤول عسكري رفيع الستوى، لمحاصرة المدينة)، وقلب المدينة، حيث ستصبح المعركة أكثر شراسة.
وبالتوازي مع العمليات العسكرية، يُفترض أن تجري عملية سياسية لاستقطاب السكان المحليين وزعماء القبائل والزعماء السياسيين المحليين، إضافة إلى تدريب القوات الأفغانية وتأهيلها لتسلّم الأمن بعد خروج قوات التحالف.
لكن العملية العسكرية في قندهار واجهت مجموعة من التحديات: التحدي الأول تمثل في الميزات التي تمتلكها «طالبان» على قوات التحالف. ميزات ترتبط الواحدة بالأخرى. ميزة الأرض والموقع. قندهار معقل «طالبان»، ومكان ولادتها وحياتها. تعرف كيف تختبئ وأين، ونقاط القوة والضعف على الأرض، إضافة إلى موقعها المحاذي للحدود مع باكستان، حيث تنتشر على طرفي الحدود الجنات الآمنة لـ«طالبان» و«القاعدة» وإخوانهما.
ميزة الشعب. قندهار ليست المعقل الروحي للحركة فحسب، بل خزانها البشري، توفر لها العديد من عناصرها وقياداتها على مختلف المستويات، بمن فيها القيادة العليا، الملا عمر. ومهما حاولت قوات التحالف من عمليات استقطاب واجتذاب وتقديم الحوافز لاستمالة القلوب والعقول، فعلى الأرجح لن تفلح، لأن من تتعامل معهم قد يكونون في كثير من الأحيان عناصر «طالبان» أنفسهم وليسوا مجرد متعاطفين.
كذلك فإن الحركة، التي تسيطر على 48 من أصل 92 مقاطعة في أفغانستان بحسب تقرير للبنتاغون، لم تكتف باستعطاف السكان، بل أنشأت حكومات ومؤسسات ظلّ محلية قامت بمهمات المؤسسات الحكومية من فرض الضرائب وجمعها وإنشاء المحاكم وفرض الأمن وغيرها من أمور.
ولهذا تجوّل ماكريستال على زعماء القبائل مع الرئيس حميد قرضاي لطلب المساعدة وفك الارتباط بالحركة في مقابل وعود بالسعادة والأمن والتنمية.
ميزة التاريخ. للمقاطعة أيضاً تاريخ من النضال وخبرة طويلة قتالية دعّمتها على مدى عقود من الحروب، من السوفيات إلى الحرب الأهلية فمقاومة الاجتياح بعد إسقاط «طالبان» في أواخر 2001، بحيث كانت مركزاً لانطلاق معظم العمليات، على طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية.
إضافة إلى ذلك، سمحت هذه الميزات للحركة بخيار الاختباء والذوبان بين السكان بدلاً من استنزاف قوتها بالدفاع أمام جيوش وآليات جبارة يستحيل أن توازيها. وفي ظل اختلال ميزان التفوق العسكري لغير مصلحتها، تفضل الجماعات المسلحة الاختباء ثم الظهور لاستعادة الأرض بعد الانسحاب، وهو خيار قد تعتمده الحركة، ورأى البعض أنها لجأت إليه في مارجة خلال عملية «مشترك»، وهو ما يفسر غياب المقاومة في البلدة.
لكن يبدو أن الحركة تتصدّى بشراسة للغزاة. فقد صعبت المواجهة الميدانية. وهي لا تكتفي بالدفاع، بل تتخذ مبادرة الهجوم. وشنّت عمليات نوعية وغير مسبوقة على القواعد العسكرية لقوات التحالف، بما فيها الهجوم على قاعدة قندهار الجوية، أكبر قاعدة عسكرية أطلسية في الجنوب ومركز العمليات الهجومية المقبلة.
مواجهة جعلت شهر حزيران (الذي لم ينته بعد) الأكثر دموية منذ بدء الحرب قبل تسع سنوات، إذ وصل عدد قتلى الجنود الأطلسي منذ بداية هذا الشهر إلى 80 قتيلاً، بينهم 45 أميركياً، فيما بلغ عدد جنود الأطلسي القتلى في شهر أيار 51 بينهم 34 أميركياً. ومنذ بداية هذا العام الدموي، وصل عدد القتلى إلى 300 بينهم 187 أميركياً، فيما ناهز عدد القتلى 521 في 2009، بينهم 317 أميركياً، معظمهم سقطوا في النصف الثاني من 2009. وهو ما يعني، بحسب الأرقام، ارتفاع عدد القتلى ارتفاعاً كبيراً مع بدء تطبيق استراتيجية أوباما ـــــ ماكريستال (عدد القتلى بدءاً من عام 2001 حتى 2010 هو على التوالي: 12، 69، 57 ،60 ، 131، 191، 232، 295، 521، 300= 1868 قتيلاً). التحدّي الثاني يأتي من الضفة الأميركية. ويتمثل في عدم وجود ما يكفي من الوقت، إذ إن الخطة الأميركية الشاملة تقضي البدء في عمليات الانسحاب ابتداءً من حزيران 2011، والمهلة النهائية التي وضعت تفترض إنهاء العملية في كانون الأول، على أن يجري بعدها الانسحاب وتسليم

ثلث الذين قُتلوا منذ بدء الحرب سقطوا مع تنفيذ استراتيجية أوباما ــ ماكريستال قبل عام

«طالبان» تمتلك ميزة الأرض والشعب والتاريخ، لذلك من الصعب هزمها

مهمة الأمن للقوات الأفغانية. بالتوازي تجري زيادة القوات في المناطق الشرقية والشمالية، فضلاً عن استمرار العمليات العسكرية التي بدأت في الشتاء الماضي في مقاطعة هلمند.
هذا التحدّي ينطوي على الخلاف الحادّ الذي نشب بين فريق أوباما الأمني والجيش الأميركي على إدارة الحرب وتبادل اللوم بشأن أسباب الفشل، وبلغ حدّ الإهانات التي عبرت عنها تصريحات ماكريستال وأعوانه إلى «رولينغ ستون»، وانتهت باستبدال مهندس استراتيجية الحرب وقائدها.
وبالتوازي مع العمليات العسكرية من «تطهير» و«تمشيط»، انطلقت عمليات «التحجيم» في الشتاء الماضي تقودها قوات العمليات الخاصة وتتضمن ملاحقة قادة المتمردين وقتلهم. فما كان رد «طالبان» إلا أن بدأت بدورها حملة اغتيالات على كل من يتعامل مع الأجانب أو الحكومة الأفغانية.
وتجري على قدم وساق أيضاً المفاوضات مع أمراء الحرب، لكن يبدو أنها متعثرة، نسبة إلى نتيجة مؤتمر «جيرغا السلام» الذي عقده قرضاي أواخر الشهر الماضي، جامعاً كل القوى المحلية والمدنية، ومُغيّباً الطرف الأساسي لأي سلام ممكن، الحركات المتمرّدة.
لكن جهود «السلام» لم تتوقف (أخيراً قُدّمت لائحة لإسقاط عدد من زعماء «طالبان» عن اللائحة السوداء، التي تعد أحد عناصر جيرغا السلام)، وهي تتأثر وتؤثر بما يدور على الأرض. إذاً يأتي الفشل الأميركي والأطلسي على مستويين، في الميدان وعلى طاولة المفاوضات، ويؤكّد فشل استراتيجية أوباما ـــــ ماكريستال. وهو لا ينفصل عمّا يجري خارج أرض المعركة، وداخل عواصم الفاعلين الإقليميين النافذين وداخل البيت الأبيض، واستخدام كلٍّ منهم أفغانستان ورقة للضغط في أجندته الخاصة. إنهم يخسرون الحرب في أفغانستان، وأولى البوادر تخبّطهم ورمي بعضهم اللوم على البعض... واستقالة قائد الجيوش.


«طالبان» تتوعّد بترايوس

توعدت حركة «طالبان»، أمس، بأن تواصل القتال أيّاً كان قائد القوات الدولية، في أول تعليق لها على إقالة الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال وتعيين الجنرال دايفيد بترايوس مكانه. وقال المتحدث باسم الحركة، يوسف أحمدي، من مكان مجهول: «لا يهمنا من هو القائد، أكان ماكريستال أم بترايوس. موقفنا واضح. سنقاتل المحتلين حتى رحيلهم». وأضاف أحمدي: «عار على (الرئيس الأفغاني حميد) قرضاي، هذا الرئيس الدمية الذي طلب من دون أي خجل من الرئيس (باراك) أوباما إبقاء ماكريستال في منصبه».
ميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن أربعة جنود بريطانيين قتلوا في حادث بالقرب من منطقة غيريشك في إقليم هلمند (جنوب أفغانستان). وقالت، في بيان، إن «الجنود الأربعة كانوا جزءاً من فريق الشرطة الاستشارية».
(أ ف ب)