يواجه رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، حملة لافتة في حدّتها لمناهضة حكمه وحكومته منذ جريمة «أسطول الحرية»، تقريباً بالمقدار نفسه للدعم الشعبي التركي والعربي الذي التفّ حوله. حملة تأخذ أشكالاً متعدّدة: دراسات وفتح ملفات فساد وتعبئة مدعومة من الخارج ضدّ الانحراف عن حلفاء الغرب. وقبل يومين، صدر تقرير موسّع عن أحد مراكز الدراسات العالمية، هو «مؤشر السلام العالمي» الذي يتخذ من أوستراليا مقراً له، نسف تقريباً كامل جهود حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على جميع الصعد الداخلية والخارجية.
تقرير المؤسّسة، التي تقيس سلمية السياسات الحكومية من عدمها، رأى أنّ تركيا ـــــ العدالة والتنمية لم تُسهم جدياً، في عام 2010، في سلام العالم، ولا في سلامها الداخلي؛ فحكومة أردوغان «فشلت في كل من مهمتي حلّ النزاعات الموجودة بين جيرانها، وإعطاء الأكراد المزيد من الحقوق كي تتحوّل تركيا إلى مكان أكثر أمناً للعيش».
وجاء في التقرير، الذي نقلت صحيفة «حرييت» التركية مقتطفات منه، أنّه «رغم سلوكها سياسة الصفر مشاكل، فإنّ مستوى علاقات تركيا مع جيرانها انخفض في العام الجاري عمّا كان عليه في الأعوام الثلاثة الماضية»، وهو ما أسهم في جعل العالم أقل سلاماً وأمناً، بدليل أنّ الكلفة المادية للنزاعات المسلّحة وصلت إلى 7 آلاف مليار دولار خلال هذا العام. وجاء تصنيف «مؤشر السلام العالمي» لتركيا قاسياً للغاية، إذ إنه وضعها في المرتبة 126 من بين 149 دولة من ناحية 4 معايير: كمّ الأزمات الداخلية والخارجية، والقدرات العسكرية للدول، واحترام حقوق الإنسان ونوعية العلاقات مع الدول المجاورة. وفي كل معيار على حدة، نالت تركيا علامات متدنّية في القدرة على تنظيم النزاعات الداخلية والخارجية.

فشل في سياسة الصفر مشاكل كما في حل القضية الكردية
وبسرعة، وجدت خلاصات التقرير متبنّين أتراكاً كثراً؛ فقد رأى خلدون سلمازتورك، رئيس المكتب الأميركي في المركز التركي للدراسات الدولية والتحليلات الاستراتيجية (المعروف بـ«توركسام»، وهو أحد أهم مراكز الأبحاث في تركيا)، أنّ هذه الخلاصة لا تحمل أي مفاجآت، لأنّ «سياسة الصفر أزمات، رغم أنها جيدة من حيث المبدأ، إلا أنها لم تُطبَّق التطبيق المناسب من الحكومة التي تفتقر إلى القيادات الكفوءة والرؤية الكافية لوضعها موضع التنفيذ». إلا أنه عاد ونعى هذه الاستراتيجية، لافتاً إلى أنّها تعني، من ضمن ما تعنيه، «تقارباً تركياً مع سوريا وإيران، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تضارب في المصالح مع التاريخ الطويل من العلاقات الجيدة مع الدول الغربية».
أما عن التصنيف السيئ الذي أُعطي لتركيا من حيث أزماتها الداخلية، فقد رأى سرهات إركمان، رئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة آهي إفران، أنها منطقية أيضاً، بما أنّ تركيا «تتعامل مع إحدى أعنف المنظمات الإرهابية في المنطقة كلها»، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني. أكثر من ذلك، فإنّ سلمازتورك ذكّر بأنّ حكومة أردوغان، «شأنها شأن الحكومات التركية المتعاقبة، أجّلت حلّ القضية الكردية، وتركت المسألة لكي يحلها الجيش».
كذلك الوضع بالنسبة إلى التصنيف السيئ بحق تركيا من ناحية نفقاتها العسكرية، وهو أمر مبرر لأنّ الجيش التركي «لا يزال غير محترف». وعن مستوى احترام حقوق الإنسان في هذه الدولة، تقع المسؤولية أيضاً على عاتق غياب النيّة الحكومية لإيلاء الموضوع أهميته، وفق سلمازتورك. أضف إلى ذلك أنّ المواطنين الأتراك لا يثقون بالمحاكم ولا بالشرطة، لذلك لا تزال عادة أخذ حقهم بأيديهم منتشرة بقوة.
(الأخبار)