منذ التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، في تموز الماضي، أدرك الرئيس الأميركي باراك أوباما أن حلّ عقدة الكونغرس ليس في يده وحده، وأن الظروف لا تقف إلى جانبه في هذا المجال، وخصوصاً بوجود أعضاء من حزبه (الديموقراطي) يعتريهم التردد في دعم الاتفاق، بسبب ضغوط تسحبهم إلى الخلف، يمارسها اللوبي الإسرائيلي في واشنطن «آيباك»، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
في مواجهة هذا الواقع، كان على باراك أوباما اللجوء إلى تجنيد أفراد إدارته بهدف الترويج للاتفاق. وبينما اقتصر دور وزير الخارجية جون كيري، مثلاً، على التسويق للاتفاق في العلن ــ من خلال الرحلات المكوكية بين الولايات وحلفاء واشنطن في المنطقة ــ أدى أعضاء آخرون دورهم، سراً، لتأتي النتيجة في مجلس الشيوخ، قبل يومين، لمصلحة البيت الأبيض، بعرقلة مشروع قرار رفض الاتفاق النووي الذي قدمه الأعضاء الجمهوريون. فما كان من المراقبين ومن مشرّعين من الحزبين إلا أن أقرّوا بأن انتصار الإدارة الأميركية، أتى بفعل الضغوط التي مورست، سراً، والتي كانت أكثر صلابة واستهدافاً من الحملة العلنية والإعلانية التي سعت إلى نسف الاتفاق.
زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، برز اسمه كمسوّق للاتفاق النووي، منذ فترة قصيرة، ولكن دوره كان قبل ذلك بوقت طويل. بحسب التقارير الإعلامية، يُعتبر ريد من أهم الجنود المجهولين الذين نسّقوا مع البيت الأبيض، في الوقت الذي كان من المتوقع أن يسدد فيه بعض الديموقراطيين ضربة قاضية لأوباما، على الصعيد الدولي.
شبكة «سي ان ان» ذكرت أن هاري ريد كان «مصدر الراحة الأساسي للإدارة الأميركية». بدا كافياً أن يقوم باتصال واحد مع جون كيري، يطمئنه فيه إلى موقفه من الاتفاق، حتى يعطي، بذلك، دفعاً جديداً للبيت الأبيض في لحظة مصيرية.
ريد وعد بتوفير معلومات دقيقة عن الديموقراطيين الذين يجب استهدافهم، ولكنه في الوقت ذاته طلب أن يبقى الأمر سراً، وإعطاءه بعض الوقت لإطلاع بعض الأصدقاء والداعمين والممولين (الذين كانوا من أشد المنتقدين للاتفاق)، على الأسباب التي تدفعه إلى دعم الاتفاق.

برز اسم هاري ريد كمسوّق للاتفاق منذ فترة قصيرة، ولكنه أدّى دوراً قبل ذلك

ما تبع ذلك كان، ربما، من أكثر الأساليب الضاغطة والعدائية التي اتبعها زعيم الديموقراطيين في الكونغرس والبيت الأبيض ــ اللذين كانا على خلاف دائم، بشأن الإستراتيجيات والتكتيكات. في اللحظة المصيرية، اتفقا على إستراتيجية أخذت بعين الاعتبار مدى حساسية الاتفاق، بالنسبة إلى عدد من الديموقراطيين، ربطاً بالضغوط من اللوبي الإسرائيلي. إلا أن أوباما في الوقت ذاته استخدم الوعظ والترهيب للحصول على أصوات حزبه، من خلال الاتصال بـ125 عضواً ديموقراطياً في مجلسي النواب والشيوخ، منذ تموز. وأيضاً، لإخماد انتفاضة الديموقراطيين، قام البيت الأبيض ومعه ريد وزعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي بتبادل المعلومات الاستخبارية عن الديموقراطيين المتردّدين. وخلال عطلة الكونغرس في آب، كان التعاون بين بيلوسي والبيت الأبيض وأوباما، على قدم وساق في هذا المجال.
وزير الطاقة إرنست مونيز لمع نجمه، خلال هذه الفترة، أيضاً، وكان نفوذه قوياً لدرجة أن السيناتورة الديموقراطية ماريا كانتوال، التي كانت آخر من أعلنت دعمها للاتفاق، استبقت ذلك بلقاء معه لطمأنتها إلى بعض البنود.
باراك أوباما وإدارته أبدعا في انتهاج سياسة العصا والجزرة مع أعضاء الحزب الديموقراطي. وإن جرى استخدام أسلوب الترهيب في سياق ما تقدم، إلا أن الترغيب كان له دوره لتمهيد الطريق أمام عرقلة مشروع رفض الاتفاق في الكونغرس. مايكل غوردن كتب في «نيويورك تايمز» أن أوباما وعد أعضاء حزبه «المتخوّفين» بأنه سيحافظ ــ وقد يزيد ــ العقوبات على إيران «المرتبطة بالأنشطة الإرهابية، وانتهاك حقوق الإنسان وغيرها من النشاطات التي تساهم في عدم استقرار المنطقة». إلا أن عدداً من هؤلاء المشرعين أشار إلى أنه يودّ الذهاب إلى أبعد من ذلك، واقترح قوانين تتضمّن تجديد العقوبات ضد الشركات التي تستثمر في صناعة الطاقة الإيرانية، فيما تضمّن اقتراح آخر العمل على عدم تشجيع الشركات الغربية على القيام بأي أعمال مع أي شركة إيرانية، «حيث يمتلك الحرس الثوري جزءاً من الأسهم» إلا أن هذا الأمر سيجري «من خلال تصنيف رسمي للحرس على أنه منظمة إرهابية أجنبية»، بحسب غوردن.
في وزارة الخزانة، يمكن تسهيل رفع العقوبات الموعودة، من خلال سحب التهديد للشركات الأجنبية والمصارف التي تتعامل مع إيران - وهي عرضة لمجموعة من العقوبات التي تمنع أعمالهم في الولايات المتحدة ــ وهو ما تسميه الوزارة عقوبات ثانوية.
في هذه الأثناء، قدم السيناتورات الجمهوريون رون جونسون ومايك لي وبات تومي، اقتراح قانون ينص على أنه «لأن الإدارة لم تسلّم النص المتعلق بالاتفاقات الجانبية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن فترة مراجعة الاتفاق لم تبدأ بعد»، وبالتالي فإن ما يسعى إليه هؤلاء، هو أن التصويت الذي جرى في الكونغرس، أول من أمس لم يكن قانونياً، ولكن من غير المحتمل أن يلقى ذلك آذاناً صاغية، بسبب رفض بعض الأعضاء الرضوخ لفكرة المهل الجديدة. ووفق القانون الذي اقترحه الجمهوريون، فإنه «على ضوء فشل الرئيس في تقديم الاتفاق مع إيران، كاملاً، فإنه يجب تمريره بدلاً من ذلك، على أنه معاهدة من أجل السماح للرئيس برفع العقوبات». وكان مجلس الشيوخ قد رفض، سابقاً، تعديلاً مشابهاً على مراجعة الاتفاق النووي مع إيران.