القاهرة | يبدو أن طريق السوريين للهرب إلى أوروبا عن طريق القاهرة صارت أكثر تعقيداً منذ فرض الموافقة الأمنية المسبقة على المجيء إلى مصر، ولكن مكاتب تعمل على توفير فرص مجيء السوريين بتقديم رشى لضباط في أجهزة سيادية، فيما تجري عمليات السفر بهجرة غير شرعية عبر ليبيا، أو عبر مراكب صيد مصرية تنطلق من مدينة رشيد.
على أحد المقاهي الكبرى في منطقة ميدان الحصري، في مدينة 6 أكتوبر، يجلس مؤمن .م، وهو شاب في العقد الثالث من عمره. يعرض مؤمن مساعدته على الشباب السوريين الجالسين على المقهى، وخاصة من يعلن منهم أنه يفكر في السفر إلى أوروبا في ظل غياب الوضع المناسب لإقامتهم في مصر.
يعرض مؤمن خدماته على الشباب عبر مكتب تسفير معروف وموثق في المنطقة، لكن عملية سفرهم تكون عبر عدة طرق غير شرعية. يؤكد الشاب أن المكتب أشرف على عدة رحلات ناجحة بالتنسيق مع مهربين، وذلك بتكلفة تراوح بين ثلاثة وسبعة آلاف دولار للشخص. وتكون التكلفة مرتبطة بعدد الأفراد من كل عائلة، إضافة إلى العدد الإجمالي من طرف الشخص المسافر.
أما في العاصمة، فإنه يمكن البحث في عدة مناطق عن مكاتب للسفريات وأفراد يتعاملون مع مهاجرين غير شرعيين. هؤلاء يمثلون فرصا للعائلات السورية للسفر إلى أوروبا مع وعود بالوصول إلى شواطئ إيطاليا واليونان، بشرط ألا تكون المراكب التي حملتهم مسؤولة عنهم بعد ذلك، ولكن بعض السوريين يفضلون اللجوء إلى الأشخاص الذين نجحوا بالوصول فعلاً.
يضيف مؤمن، في حديث إلى «الأخبار» بعد إقناعه بأن هناك عائلة سورية ترغب في الهرب، أن سمعة المهرب هي أكثر ما تميزه عن غيره وخاصة أن عددا كبيرا من العائلات لديها قدرة مالية على دفع مبالغ التهريب المطلوبة مقابل توفير ظروف آدمية لها، وضمان الابتعاد عن الأخطار التي تلاحق مثل هذه الرحلات. وأشار في الوقت نفسه إلى أن تواصل العائلات مع بعضها بعضاً، وخاصة الشباب يجعل بعض المهربين يطلبون 10 آلاف دولار عن الشخص مقابل ضمان وصوله الجزر اليونانية.
وأوضح الشاب أن المكتب الذي يعمل معه لديه عائلات سورية جرى تهريبها من عدة مناطق، وأنهم لا يطلبون أكثر من ستة آلاف دولار على الفرد، إذ كان العدد من شخص إلى أربعة أشخاص، ولكن العائلة إن كانت أكثر من ذلك سيقل المبلغ إلى خمسة آلاف دولار، وأيضا يقل ألفا أخرى إذ تجاوزوا 20 فرداً، كما لفت إلى أن العائلات المسافرة يمكنها التواصل مع أسر نجحت بالفعل في السفر قبل ذلك عبر «سكايب»، ليحدثوهم عن الرحلة وظروفها.
وعدّد مؤمن، في الحديث الذي دار على مدار أكثر من ساعة، مزايا السفر معه، ومنها أن المركب لا تتجاوز حمولته 45 شخصاً، إضافة إلى السفر مباشرة من القاهرة لاستقلال المركب من رشيد دون مبيت في أي مكان آخر أو الدخول في الدروب الصحراوية. ويوضح أن هناك أسعارا أخرى مع مهربين عبر ليبيا عبر الدروب الصحراوية وتكون نسبة المغامرة فيها كبيرة، لكن تكلفتها لا تتجاوز ألفي دولار للفرد الواحد، فيما سيحصل على 100 دولار نظير مساعدته للوصول إليهم.
أحد الشباب السوريين، ويدعى معاذ (اسم مستعار) ويعمل حاليا في تخصص الكهرباء بعدما اضطر إلى مغادرة سوريا هرباً من الأحداث، ولكنه لم يستطع أن يرسل إلى والدته تذكرة طيران تنقلها إلى القاهرة بسبب الموافقة الأمنية التي فرضت بعد وصوله بأيام قليلة، ثم تمكن من التعرف على ضابط بالمصادفة ساعده على إنهاء الإجراءات. يقول معاذ، وهو في الثلاثين من عمره، إن الضابط حصل منه على عشرة آلاف جنيه (100 دولار = 780 جنيها)، مقابل استخراج الموافقة الأمنية، بالإضافة إلى تمديد الكهرباء الخاصة بمنزل الضابط. بعد ذلك، تمكن والدته من الوصول خلال أقل من أسبوعين.
لكن معاذ يشير إلى أنه تعرض على مدار أكثر من عام لعمليات نصب متعددة دفع في إحداها ألفي دولار لأحد المصريين الذي أوهمه بقدرته على إنهاء الموافقة الأمنية، مؤكداً أنه لم يستطع الإبلاغ عن هذا الشخص خوفاً من أن تتعرض والدته لمضايقات لا تستطيع عليها الحصول على الموافقة لاحقاً. هذا الشاب لم يكن الوحيد من عائلته الذي هاجر إلى القاهرة التي وصلها برفقة شقيقه علي الذي سافر بعد وصوله بأيام قليلة إلى ليبيا، ومنها إلى السويد حيث استقر هناك. ولفت معاذ إلى أن شقيقه عمل معه حتى تمكن من جمع الأموال الخاصة بالسفر وغادر، وهو الآن يحرص على التواصل معه عبر «سكايب» أسبوعياً، وخاصة أنه يرفض المخاطرة بحياته وحياة زوجته وطفلتيه في رحلة الهجرة غير الشرعية.