واشنطن ــ محمد سعيديبحث الاختصاصيون النفسيون في الجيش الأميركي أسباب فشل الجهود المبذولة للحؤول دون إقدام جنود أميركيين ممن يخدمون في العراق وأفغانستان على الانتحار بسبب حالات الاكتئاب التي يعانونها ومشاعر عدم الثقة بأن الجيش لا يساعدهم. وقد أفاد تقرير ينشر يوم الثلاثاء بأنّ أكثر من 25 في المئة من الجنود الذين شاركوا في الحرب على العراق يقولون إنّ إصابات في الرأس تتعلق بالمهمات القتالية قد لحقت بهم، وإنّ ثلثين منهم أُصيبوا بالاكتئاب.
وقال مسؤولون عسكريون أميركيون كبار إنّ التدريبات الهزيلة ونقص التنسيق والامتدادات المكانية الشاسعة العسكرية هي عوامل إضافية. غير أنّ العقيد جون برادلي رئيس قسم العلاج النفسي في مستشفى «والتر ريد» العسكري في واشنطن، صرح بأنّ لديه خطة جديدة تتضمن 76 بنداً تحدد طرق تحسين الوضع. وأضاف أنّ طاقماً من الخبراء يقضون عاماً في لقاءات مع الجنود الذين حاولوا الانتحار إلى جانب الالتقاء بأسرهم وأشخاص آخرين من أجل «الخطة والتقرير» اللذين قدما الشهر الماضي إلى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ويُعرضان على الكونغرس خلال 90 يوماً. ويوصي التقرير بأن يضطلع مكتب وزير الدفاع بمهمات التنسيق في جهود تفادي الانتحار.
وأشار غيتس، في ندوة عن الطب العسكري ترعاها جامعة الخدمة الموحدة للعلوم الصحية ومؤسسة هنري إم جاكسون، إلى أنّ وزارة الدفاع معنية بأسباب الفشل. وأشار إلى أنّ جميع فروع القوات المسلحة الأميركية: الجيش، القوات الجوية، الأسطول والبحرية، قد أخفقت في التنسيق في ما بينها في ما يتعلق ببرنامج تفادي الانتحار في صفوف الجنود الأميركيين.
وذكر برادلي أنّ التدريبات لمنع محاولات الانتحار أخفقت في الغالب؛ لأنّ الذين يديرون الجلسات النفسية لا يفهمون أهميتها، إذ يتندرون عليهم، وربما أصابوا مشاعرهم بأذى.
يذكر أنّ نحو 1.9 مليون من الجنود الأميركيين، من الجنسين، قد نُشروا في العراق وأفغانستان حتى الآن. وأكد العقيد شارلز هوغ أنّهم بذلوا أقصى جهودهم في هذا الشأن، غير أنّه بالرغم من كلّ ما فعلوه، لا تزال معدلات الانتحار في ازدياد، ولا سيما بين الجيش والبحرية، مضيفاً أنّ النسبة الغالبة من المجندين الشباب والجنود المحنكين لم تعاونهم.
وقال خبراء إنّ معظم محاولات الانتحار تسود بين المجندين الشباب من البيض. أما مجندو البحرية، فهم صغار السن، ويثقون بأنفسهم، وعدوانيون أيضاً، لذلك فهم آخر من يعترف بأنّ لديه مشكلة.
واتفق كل من هوغ وبرادلي على أنّ الجنود الذين يطلبون مساعدة نفسية قد يفقدون رخصتهم الأمنية، وأسلحتهم، وقد يتغافلون عن المهمات الحيوية لمستقبلهم. وشدد هوغ على أنّه عندما يعود هؤلاء إلى ديارهم بعد الحرب، فإنّ المهارات التي أبقتهم على قيد الحياة تحت النيران، ستجعلهم فاقدي القدرة على أن يكونوا مواطنين طبيعيين في المجتمع.
ونقلت وكالة «رويترز» عن ماري بيث دونكنبرغر، وهي من كبار مديري البرامج في «معهد السياسات والحكم الرشيد» والمشرفة على تقرير معهد فرجينيا الذي يصدر يوم الثلاثاء قولها إنّ عيّنة منتقاة من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان قال أفرادها إنّهم كانوا يخشون الاعتراف بمعاناتهم من اضطرابات ما بعد الصدمة خلال إجراءات تسريحهم من الخدمة العسكرية، وذلك خشية أن يبعدهم ذلك عن أسرهم ويلحق الضرر بحياتهم العملية.
ويشير التقرير إلى أنّ 66 في المئة من قدامى المحاربين في حربي العراق وأفغانستان كانوا يعانون بدرجة ما الاكتئاب، وهم يلون في الترتيب مصابي حرب فيتنام. وأفاد التقرير بأنّ عشرة في المئة منهم يعانون درجة عالية من الاكتئاب. وقال 13 في المئة إنّهم يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة، فيما قال 26 في المئة إنّ إصابات لحقت برؤوسهم تتعلق بالخدمة العسكرية. ويرجع الفضل إلى حد كبير إلى الدروع الواقية للجسم في حماية نسبة كبيرة من الجنود من الانفجارات والهجمات في هاتين الحربين، مقارنةً بحروب سابقة.
وقالت دونكنبرغر: «خلال إجراءات التسريح، يتوق الجنود نوعاً ما إلى رؤية أفراد أسرهم، وإذا اعترفوا بأنّهم يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة، فإنّهم يدركون أنّه قد تمضي بضعة أسابيع قبل أن يروا ذويهم، لذا فإنهم يميلون إلى التقليل من حجم العوارض التي يعانونها».
وقالت: «كذلك، فإنّ جنوداً في الخدمة يعزفون عن البوح بما في نفوسهم؛ لأنّهم يخشون أن يؤثر ذلك على مسيرتهم المستقبلية في الجيش... كذلك، إنّ أولئك العائدين إلى الحياة المدنية يخافون ألا يقبل أحد توظيفهم إذا علم أنّهم يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة».
ويتضمن التقرير مقابلات مع أكثر من ألفين من قدامى المحاربين في ولاية فرجينيا، بمن فيهم محاربون قدماء من حربي فيتنام وكوريا، ومن بين 800 ألف من قدامى المحاربين في الولاية، خدم نحو 260 ألفاً منهم في العراق وأفغانستان.
وتوصل التقرير إلى أنّ بواعث القلق الرئيسية بين المحاربين القدماء كانت صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية والعلاج، ولا سيما في المناطق الريفية والنائية.
وقالت دونكنبرغر: «مبعث القلق الأكبر هو أنّ جميع المشاكل التي شوهدت حتى الآن من إصابات الرأس واضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب قد تكون مجرد قمة جبل الجليد».