نيويورك ـ نزار عبودلا يزال «المجتمع الدولي» عاجزاً عن الاتفاق على مفهوم موحّد للإرهاب، ومع ذلك تقام مؤتمرات وتعقد جلسات لمناقشة هذه الظاهرة المتعاظمة. وفي هذا الإطار عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة على مستوى رفيع أمس بدعوة من تركيا، وبرئاسة وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو. وجرى خلالها تبني بيان رئاسيّ يشدد على التضامن الدولي في مكافحة الإرهاب دون تمييز بين إرهاب ومقاومة، مع التشديد على أن تحالف الحضارات هو المكان الأفضل لمثل هذه المعالجة.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في الكلمة الافتتاحية إلى توسيع الحوار والمشاركة مع المنظمات التي تتعامل مع استراتيجية مكافحة الإرهاب العالمية التابعة للأمم المتحدة، وعلى رأسها تحالف الحضارات، قائلاً، «تحالف الحضارات يعد محور ردّ الأمم المتحدة على التطرف والتعصب».
وفيما رفض تبرير الأعمال الإرهابية تحت أيّ حجّة أو ذريعة، أكد تصميم الأمم المتحدة على الارتقاء إلى مواجهة التحدي الذي تواجهه، ولا سيما عبر الحدود. ودعا إلى اتّباع منهج عريض يشمل فرض الأمن والقانون، بما في ذلك في القطاع المالي، وحرمان الإرهابيّين المفترضين الحصول على أسلحة الدمار الشامل.
كذلك دعا إلى مواجهة الأفكار الإرهابية في الفصول المدرسية ومناهج التعليم، فضلاً عن وسائل الإعلام. وطالب بفهم أسباب نمو الإرهاب والعنف لوضع سياسة وقائية. ورأى أنّ القضاء الفاسد يولّد الإرهاب، وبالتالي لا بد من تعزيز دور العدالة والجهاز القضائي نحو مزيد من الإنصاف في المعاملة أمام القانون.
وطالب بتحسين وسائل تشاطر المعلومات الاستخبارية بشأن نشاط المجموعات التي يعدّها الأعضاء إرهابية، وبتحفيز الأهالي والقطاع الخاص على المساعدة والمشاركة، داعياً إلى إيجاد شبكات تعقّب إقليمية ومشاركة وسائل الإعلام في المحاربة. وشدّد على ضرورة احترام حقوق الإنسان في العمليات.
من جهتها، توجهت هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية الولايات المتحدة إلى المجلس معلنةً ضم جهود بلادها إلى جهود المجتمع الدولي ككلّ، والعمل من خلال المؤسسات العالمية في هذا المجال. وشدّدت على ضرورة تعميم المعلومات الاستخبارية بين الدول التي تحارب الإرهاب، مع مراعاة حقوق الإنسان في كل الظروف. كما رأت أن بناء الأجهزة القضائية النزيهة يمثّل ركناً أساسياً من أركان المكافحة.
روسيا ركّزت على مسألة ضرورة بناء نظام عالمي لتبادل الإرهابيين وتسليمهم إلى الدول المتضررة. وقال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين في الجلسة إنّ الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات تتلاقى وتغذي بعضها بعضاً، كما يحدث في أفغانستان. كذلك فإنّ القرصنة والإرهاب يعملان جنباً إلى جنب. ودعا إلى تسليم الإرهابيين ومحاكمتهم، وإلى إيجاد معاهدة دولية خاصة تنظم هذه العملية.
كذلك شدد على ضرورة تعريف الإرهاب، وإيجاد قانون لمكافحة الجريمة عبر الإنترنت كمظهر من مظاهر الإرهاب، مؤكداً أنّ بلاده رائدة في هذا المجال. ورأى تشوركين أنّ الإرهاب يترعرع حيث تضعف العدالة والمساواة. ورفض مبدأ صدام الحضارات أو ربط أيّ ديانة بالإرهاب. وأعرب عن استعداد روسيا للتعاون مع كل الدول في مجال المحاربة.
في المقابل، شدد وزير الخارجية البرازيلي ساسو أموريم في كلمته على أهمية حصر جميع ترسانات الدول النووية ومراقبتها لكي لا يقع أي منها في أيدي جماعات إرهابية.
أما وليم هيغ، وزير خارجية بريطانيا، فرأى أنّ دعم باكستان في الكارثة التي لحقت بها يندرج في إطار مكافحة الإرهاب، لأنّ الفقر والعوز يمثّلان مرتعاً خصباً لتجنيد الإرهابيّين.
أما داوود أوغلو، فرأى أنّ منح اللجوء السياسي يستمر عقبة أمام تسليم المطلوبين، وطالب بتشديد الملاحقة المالية لمنع تمويل الإرهابيّين. وبخصوص استمرار بعض الدول في منح الإرهابيين منبراً للتحريض على الإرهاب، ذكّر المجلس بقراره رقم 1624 الذي يحرم التحريض. وقال إنّه مع ذلك فإنّ قوانين الدعاية والإعلام الوطنية تسمح لشبكات إرهابية بالبث لمحطات تلفزيونية وإعلامية من دول مشاركة في مكافحة الإرهاب.
ورأى أنّ ذلك يعود إلى الفشل في ردم هذه الثُّغر ونقص القوانين والإمكانات، لا إلى الإرادة السياسية. وشدد على دور الأمم المتحدة على هذا الصعيد، داعياً إلى احترام الحقوق وإقامة العدالة.
من جهته، أدان نواف سلام مندوب لبنان الدائم في كلمته الأعمال الإرهابية بجميع أشكالها، وعرض أشكال الإرهاب عبر القارات والتاريخ، مشيراً إلى أنّ هجوم نيويورك أبشعها. ودعا إلى ضرورة وجود مفهوم موحّد، ورفض الخلط بين الإرهاب والأديان. وتحدث سلام عن الإرهاب الفكري المتمثل في الإسلاموفوبيا. واعترض على التحريض الغربي على المسلمين ومقدّساتهم، ولم يعدّه مقبولاً في إطار حماية حرية التعبير. كما دعا إلى التمييز بين المقاومة والإرهاب.
وقال إنّ المقاومة الفرنسية لم تُنعت بالإرهاب، ومصطفى كمال أتاتورك كان رمزاً للمقاومة ضد الاحتلال. وأكد استعداد لبنان للتعاون مع الأمم المتحدة واللجان، وشجع على بناء قدرات الدول مع احترام القانون وحقوق الإنسان. وطالب بمكافحة وسائل تمويل الإرهاب من بشر إلى سلاح ومخدرات، وطالب أيضاً بالقضاء على بؤر التوتر، وبالتخلي عن ازدواجية المعايير وقبول الآخر، وبوضع حد للظلم. ودعم سلام مبادرة تركيا وإسبانيا بشأن التحالف بين الحضارات. وناشد العمل من أجل السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. وتناول اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ومن قُتل من بعده في السنوات الخمس الأخيرة، ومحاربة الجيش لفتح الإسلام، ورأى أنّها مظاهر من حرب لبنان على الإرهاب. وذكّر بقصف إسرائيل لكل نواحي الحياة المدنية في لبنان، بما فيها مقر الأمم المتحدة في قانا، كمظهر من مظاهر الإرهاب.
وفي الختام تحدث وزير خارجية تركيا عن محاور بيان مجلس الأمن الرئيسية الثلاثة، قائلاً إنّه يدعو إلى التوعية العالمية حول التهديد الذي يمثله الإرهاب، وإنّ الأعمال الإرهابية ستطاول جميع الدول. ورأى أنّ ذلك هو هدف المبادرة من عقد الجلسة. وطالب بتصدٍّ عالمي للإرهاب، لأنّ الإرهاب يهدد البشرية. وطالب أيضاً بالتزام دولي عام لهذه الغاية، داعياً إلى تنسيق جهود المحاربة عبر الأمم المتحدة.