التعاطي الفرنسي مع أزمة الرهائن في أفريقيا يبدو مختلفاً هذه المرة، ويأخذ في الاعتبار المخاوف على حياة الرهائن، ومن انتقال أعمال «القاعدة» إلى الأراضي الفرنسية
باريس ــ بسّام الطيارة
تعيش فرنسا اليوم حرباً معلنة مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي»؛ فقد أكد رئيس الأركان الفرنسي الأميرال إدوار غيو «استعداد باريس لإجراء اتصال في أي وقت» مع خاطفي الفرنسيين الخمسة في شمال النيجر، مع استبعاد القيام بعملية عسكرية في الوقت الراهن، وهو ما فسره المراقبون بأنه محاولة لتفادي ما حصل مع الرهينة السابق ميشال جيرمانو، الذي قتله الخاطفون بعد هجوم فاشل شنته القوات الموريتانية بمساعدة لوجستية فرنسية على مجموعة في شمال مالي.
وكان التنظيم الإرهابي قد أعلن مسؤوليته عن عملية الاختطاف، وأنه «سيبلغ فرنسا في وقت لاحق مطالب مشروعة». وللمرة الأولى، تضع باريس في واجهة التعاطي الإعلامي مع عملية خطف إرهابية «الاستعداد للتفاوض»، وهو ما كان سابقاً يجري من وراء الكواليس وفي الخفاء.

للمرة الأولى تضع باريس خيار «الاستعداد للتفاوض» مع الخاطفين
وتقول أوساط مطلعة إن باب الحوار «فتح منذ الساعات الأولى» التي تلت عملية الاختطاف. وجاء تأكيد الأميرال غيو، في حديثه مع إذاعة «أوروبا ١»، حين قال إن «القوات العسكرية موجودة لمؤازرة دبلوماسيتنا»، وهو ما أثار عجب المتابعين من تصنيف المفاوضات مع الخاطفين في باب الدبلوماسية. إلا أنه يبدو أن السلطات الفرنسية وضعت استراتيجية «استيعاب للخاطفين»، رغم محاولة غيو لفلفة هذه الاستراتيجية بغطاء «عدم الرضوخ»، والتذكير بما سبق وصرح به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أن دفع فدية لتحرير رهائن «ليس استراتيجية مستمرة». إلا أن المراقبين يشيرون إلى أن ساركوزي قال بعد ذلك «إن كل شيء رهن بالظروف».
وبالطبع يذكر الجميع أن «المفاوضات» كانت السبيل الذي اختارته باريس للإفراج عن الرهينة بيار كامات في شباط الماضي في مقابل إطلاق أربع سجناء إسلاميين من سجون باماكو، وهو ما لم يحصل في حالة جيرمانو بعد وصول معلومات عدّتها السطات العسكرية الفرنسية «أكيدة» عن مكان احتجاز الرهينة، فنُسِّق الهجوم مع قوات موريتانية. إلا أن تسريبات قادت الخاطفين إلى الانكفاء والهرب مع الرهينة.
ومن هنا يمكن تفسير إحاطات «الحذر والحيطة والتأني» التي رافقت وترافق التعاطي مع عملية الخطف الأخيرة. ومع اعتراف السطات العسكرية بأن «القوات الفرنسية تستعد عملياً»، إلا أن رئيس الوزراء فرانسوا فييون شدد على «الاستعدادات غير الحربية» بقوله إن «الجيوش الفرنسية أوكلت إليها مهمة تقضي أولاً برسم خريطة لهذه المنطقة» مع إشارة إلى مساحتها الصحراوية الكبيرة.
إلا أن الخوف الكبير هو من «انتقال هذه الحرب» إلى الأرض الفرنسية على شاكلة اعتداءات إرهابية، إذ إن التهديدات وصلت إلى باريس عبر معلومات استخبارية، قبل أيام من عملية الاختطاف، ودعا حينها مدير الشرطة فرديريك بنشار إلى «يقظة شديدة» بسبب وجود «تهديد كبير بوقوع اعتداء»، ورُفعت «الخطة الأمنية فيجي بيرات» إلى المستوى الأحمر الذي يسبق مستوى الإنذار الأقصى الذي يقضي في حال إقراره إغلاق محطات القطار والمترو والمطارات. وقد انعكس هذا زيادة في عدد دوريات الجيش الفرنسي في الشوارع والأماكن العامة.

الخوف الكبير هو من «انتقال هذه الحرب» إلى الأرض الفرنسية
ويتفق معظم العاملين في مجال الأمن الفرنسي على أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» يستهدف فرنسا خصوصاً، بحجة دعمها للأنظمة في منطقة الساحل، والتعاون معها في مكافحة الإرهاب، وهو ما لا تخفيه باريس. وقد ذكّر وزير الدفاع هيرفيه موران بذلك، بقوله: «لدينا تعاون في مجال الاستخبارات مع أصدقائنا الجزائريين. ورغم اختلاف وجهات النظر السياسية بين العاصمة الفرنسية وعدد من عواصم، إلا أنّ ثمة مصلحة مشتركة في كسر حدة انطلاق التنظيمات المقربة من القاعدة أو المرتبطة بها مباشرة في منطقة الصحراء الكبرى والساحل».
وكشفت تسريبات استخبارية أخيراً «تحول التنافس الفرنسي الأميركي في المنطقة» إلى تعاون وثيق بعد تعاظم قوة المنظمات التي تتقاتل، لكنها تتعاون أيضاً لضرب المصالح الغربية ومحاولة استنفاد الحكومات المحلية عبر الفديات المالية. وقد كُشف أيضاً عن وجود قاعدة أميركية في جنوب الجزائر باتت «مركز إدارة العمليات» ضد عناصر القاعدة في الصحراء، وهي تزوّد الحكومات بمعلومات المتابعة عبر الأقمار الصناعية لتحركات هذه المجموعات.
وتدفع واشنطن وباريس الحكومات المعنية للعمل المشترك في مكافحة الإرهاب، وتحت هذا العنوان يجب قراءة إعلان وزارة الدفاع الجزائرية عن اجتماع لمجلس رؤساء أركان الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر أمس في تمنغست في جنوب الجزائر.
وحسب المعلومات المسربة، فإن هدف الاجتماع هو «وضع استراتيجية متناسقة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة».