strong>أرنست خوري يسود الإدارة التركية، هذه الأيام، قلق عميق إزاء عقود التسلُّح الهائلة التي وقّعتها دول خليجية في الفترة الأخيرة مع شركات التصنيع العسكري الأميركية، لعلمها أنّ هذا التسلّح يبقى هدفه واحد: إيران. ورغم أنّ صنّاع القرار في أنقرة غير مرعوبين من إمكان اندلاع نزاع مسلَّح بين الغرب (وبعض العرب) وإيران، «على الأقل في المستقبل القريب»، على حد تعبير سفير تركي متقاعد، إلا أنّ سباق التسلُّح الذي أطلقته السعودية والكويت والإمارات وعُمان يبقى مصدر قلق مزمن عند الأتراك. من جهة، يعرب السفير المتقاعد لصحيفة «توداي زمان» عن أنه «لا ضربة أميركية قريبة لإيران»، لأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما «أذكى من أن يورّط نفسه بجبهة عسكرية جديدة عشية الانتخابات النصفية للكونغرس» في الثاني من تشرين الثاني المقبل. لكن من جهة أخرى، قد تكون هذه الدول الخليجية تحسب حساب المديَين المتوسط والطويل، في خطوة استعدادية لمرحلة قد تجد فيها هذه الدول نفسها مضطرة للتورط في نزاع إقليمي مع الجمهورية الإسلامية، على قاعدة أن هذه الحرب «حتمية».
ويستبعد الخبير في شؤون التسلح، الأستاذ المحاضر في جامعة بيلكنت (أنقرة)، مصطفى كيبار أوغلو، أن تكون الحكومة التركية تنظر إلى سباق التسلح هذا على أنه تهديد مباشر لها، وبالتالي فمن غير المرجَّح أن تطلق بدورها حملة تسلُّح مقابلة قريباً. إلا أن كيبار أوغلو يحذّر من أنّه «إذا تواصلت الجهود التسلحية للدول الخليجية، وخصوصاً السعودية منها، فإنّ تركيا قد تقوم بصفقات حربية كبيرة في المديين المتوسط والطويل، أي في السنوات العشر المقبلة». وسيكون لهذا الانخراط بعدٌ اقتصادي ثقيل على تركيا، بما أن الأرقام التي تورطت أو ستتورط فيها دول الخليج هائلة، تقارب 126 مليار دولار، للسعودية حصة 67 مليار دولار منها، والإمارات بين 35 و40 ملياراً، في مقابل 12 مليار لعمان و7 مليارات للكويت.
في هذا الإطار، فإنّ أجواء الحرب الباردة التي تعيشها المنطقة تعني بالقاموس التركي أمراً واحداً: عدم استقرار. كلمة من شأنها، إذا تطوّرت ووصلت إلى حدود تفجُّر النزاع، إلى تدمير «الحلم التركي» من أساسه، وهو الخطر الكافي لجعل أنقرة أكثر من قلقة، وهو ما قد يحفّزها على الانخراط في جهود جديدة لتهدئة الجبهات الحامية، وخصوصاً تلك المرتبطة بإيران. ومن قرأ الصحف التركية في الأيام القليلة الماضية، يلاحظ أن تركيا، مع احتفاظها بموقع الحياد الإيجابي بما يتعلق بالملف النووي، فإنها من بين من يقولون إنّ سباق التسلح الذي أطلقته السعودية قبل أسبوعين، من شأنه عدم تشجيع إيران على الاستمرار في المفاوضات النووية مع مجموعة الدول الست، كذلك فإنها خطوة «لا تساعد الاستقرارين الإقليمي والدولي بتاتاً».
وبحسب كيبار أوغلو، فإنّ السباق الذي أطلقته الرياض، هو جواب مباشر على المشروع النووي الإيراني. من هنا ينبع القلق التركي إزاء مدى تقبُّل السعودية والولايات المتحدة لوساطة تركية ما على خطّ التهدئة، وخصوصاً أنّ نسبة الرضى الأميركي والسعودي من تركيا ليس في أعلى مستوياته في هذه المرحلة، وتحديداً منذ دبّرت أنقرة (مع برازيليا) اتفاق 17 أيار الشهير، وصوّتت ضدّ قرار العقوبات الجديدة بحق طهران في مجلس الأمن الدولي. وربما لهذه الأسباب، تجد تركيا نفسها مضطرة بين الحين والآخر، لطمأنة «من يهمّه الأمر»، إلى أنها لا تعمل على كسر قرار العقوبات في علاقاتها الاقتصادية مع جارها الإيراني، أكان على المستويات النفطية أم المصرفية والتجارية العسكرية، لكن كل ذلك في حدود احترام اتفاقياتها الموقَّعة سلفاً مع طهران، وفي إطار أولوية المصالح القومية التركية السلمية.
وهنا قد يكون الوقت مناسباً للتذكير بأنّ السعودية «لطالما استغلّت مبرّر التهديد الإيراني لتزيد من ترسانتها العسكرية، لكن هذه المرة سيستفيد الدبلوماسيون الإيرانيون من ذلك بذكاء، للدفاع عن حقهم بامتلاك التقنية النووية»، على حد تعبير كيبار أوغلو.