خصومه يستغلّون سياساته «العنصريّة» لتحسين شروط إصلاح التقاعدباريس ــ بسّام الطيارة
تعيس هو حظّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي؛ ففيما يتفق جميع الخبراء، بمن فيهم مقرَّبون من المعارضة وبعيدون عن «اليمينية المهيمنة»، على أنّ إصلاح نظام التقاعد الفرنسي «الشهير» أصبح ضرورة ماسّة، تبدو أسباب نزول «تظاهرة مليونية» ضد هذه الإصلاحات بعيدة جداً عن مضامين طروحات ساركوزي في هذا المجال. فالتظاهرة تنبع خصوصاً من رفض طريقة حكم الرئيس، أكثر منها رفضاً لإصلاح نظام تقاعد ينظر إليه جميع الأوروبيين بـ«إعجاب وغيرة بارزتين»، وإن كانت آفاقه مسدودة اليوم بسبب خلل ميزانيته، وهو ما سعت الحكومات الفرنسية المتعاقبة منذ عشرين سنة لإصلاحه من دون نتيجة.
مهما فعل ساركوزي وحاول تليين طروحاته، فإنّ النقابات ترى اليوم «نافذة لمهاجمة حكمه» في استعراض قوى مدعوم بمسيرات شعبية هي الثالثة منذ بدأ الحديث عن إعادة هيكلة نظام التقاعد. الجميع يبحثون عن تسجيل نقاط في ظل ارتفاع التململ من طريقة حكم ساركوزي التي يصفها البعض بأنها «أسلوب تحدٍّ وقهر» يسعى إلى استنفار الفرنسيين بعضهم ضد بعض، حتى إنّ رئيس الوزراء الأسبق ميشال روكار لم يتردّد في القول، قبل أسابيع، إنّ أسلوب ساركوزي «يريد الحرب الأهلية، وسوف يحصل عليها». وتذكّر الجميع أنّ المرشحة الرئاسية «الاشتراكية» سيغولين رويال، نطقت بنفس الكلمات خلال التحضير للانتخابات السابقة، إلا أن هذه المواقف التي انضم إليها عدد لا بأس به من «زعماء اليمين»، لم تكن موجَّهة ضدّ طروحات إصلاح النظام الاجتماعي، ولا ضدّ إصلاحات النظام التربوي الذي تسبّب بإضراب يوم الاثنين في المدارس الإعدادية والثانوية احتجاجاً على تدهور ظروف العمل وإلغاء عدد من الوظائف. كان الاحتجاج الفعلي موجَّهاً ضدّ الطروحات الأمنية الساركوزية المتطرّفة، من نزع الجنسية عن الجانحين، إلى استهداف المهاجرين، مروراً بطرد الغجر وتأجيج المشاعر ضد قسم كبير من مسلمي فرنسا، المهاجرين كما المجنَّسون.
ويدور مشروع اصلاح نظام التقاعد، الذي يعتبره ساركوزي «أولوية قصوى ومنارة حكمه»، على ٤ نقاط أساسية هي:
١ــ تأخير الحد الأدنى لسن التقاعد من ٦٠ عاماً حالياً إلى ٦٢ عاماً بحلول عام ٢٠١٨، ما يمثّل تراجعاً عن مكسب اجتماعي يعود لفترة الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران، وصفته سكرتيرة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، التي كانت وزيرة الشؤون الاجتماعية عند إقراره، بأنه «مسألة عدالة».
٢ــ جعل مدة سنوات العمل ٤١ سنة ونصف السنة بدءاً من الآن حتى عام ٢٠٢٠.
٣ــ دمج نظام تقاعد الموظّفين مع نظام تقاعد القطاع الخاص.
٤ــ جعل سن التقاعد ٦٧ سنة بدل ٦٥ للحصول على تعويض كامل.
إلا أنّ العديد من التفاصيل تتداخل ضمن هذه النقاط المحورية الأربع، منها استثناء العمل المرهق من مدة إطالة فترة العمل الضرورية للحصول على «كامل تعويض نهاية الخدمة»، ومسألة دمج صناديق التعويضات المتعددة التي يمكن أن يكون الموظفون أو العمال منتمين إليها.
وتقول الحكومة المحافظة إنّ هذا الإصلاح ضروري لتحقيق توازن في حسابات معاشات التقاعد بحلول ٢٠١٨، وخفض العجز العام والحفاظ على مكانة فرنسا المتقدمة في التصنيفات الائتمانية، وخصوصاً أنّ عجز ميزانية صندوق التعويضات يبلغ حالياً ٣٥ مليار يورو، ويُتوقع أن يتخطى ٤٥ ملياراً في حال عدم إجراء الإصلاحات التي تقدم بها وزير العمل إيريك فورت.
ورأى زعيم «الاتحاد الفرنسي للعمال»، فرانسوا شيريك، أنّ تجاهل ما يُتوقَّع أن يكون «أكبر نسبة مشاركة شعبية منذ عشر سنوات»، لن يكون في مصلحة الحكومة التي باتت «الكرة في ملعبها»، فإذا كانت تريد أن تتحسن الأوضاع، «عليها أن تقدم اقتراحات» لإحداث تغيير في الإصلاحات.
وفي إطار تحذيراته، أكّد المسؤول النقابي أنّ الإضراب العام لن يكون مستبعداً في حالة تدهور الأوضاع. وقد تجاوز المعلّقون التشدُّد الكامن في هذا التصريح، ليجدوا فيه موافقة «مبدئية على ضرورة الإصلاحات»، ومحاولة لتحسين ظروفها في ما يتعلق بالعمال. وتزامن نزول المتظاهرين إلى الشوارع مع بدء جلسات الجمعية الوطنية لمناقشة مشروع القانون، إذ يعتزم اليسار إطاحته، بينما يتولى وزير العمل الدفاع عن المشروع، رغم ضلوعه في قضية تضارُب مصالح مرتبطة بالمرأة الأثرى في فرنسا، ليليان بيتانكور. تورُّط أضعف موقع فورت كثيراً، ودفع بغالبية من الفرنسيين إلى اعتبار أنه لم يعد «مؤهَّلاً» للدفاع عن مشروع كهذا، بينما يوافق عدد متزايد على ما قالته سيغولين رويال عن أنّ إبقاء ساركوزي وزيره الغارق في رمال الفضائح المتحرّكة، يهدف لجعله كبش محرقة في حال فشل المشروع.