باريس ــ بسّام الطيارةترتفع وتيرة التنديد بالتوجهات الشوفينية لسياسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حول العالم، ولا تتراجع قوّة الاستنكار التي تحملها. فبعد الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان، وبعد الاتحاد الأوروبي ومن ثم الفاتيكان، عادت موجة الاستنكار إلى فرنسا. ومنذ حقبة طويلة، لم تشهد الجمهورية «تظاهرة تضامنية» مثل التي جابت شوارع المدن الفرنسية، أمس، إذ إنه حتى في عام ١٩٩٠، بعد سلسلة اعتداءات عنصرية طالت الجالية اليهودية، نزل ما يزيد على ٢٠٠ ألف متظاهر إلى شوارع باريس يتقدمهم رئيس الجمهورية آنذاك فرانسوا ميتران، وعمّت التظاهرات المدن الفرنسية. ويوم أول من أمس، توزعت في المدن الفرنسية ١٢٠ تظاهرة، احتضنت باريس أكبرها، احتجاجاً على «المعاملة العنصرية بحق الغجر»، وضد سلسلة قوانين سحب الجنسية التي تستعد حكومة ساركوزي لإمرارها.
وقد تميّزت هذه التظاهرات بنزول «خليط سياسي» جمع بين اليمين واليسار المتفقين على عدم ملاءمة هذه القوانين لـ«فلسفة الجمهورية» السائدة في فرنسا، «أرض حقوق الإنسان»، كما ذكرت دانيال ميتران، أرملة الرئيس الراحل، وهي التي تصدرت مجموعة من المثقفين والناشطين الاجتماعيين. وتوجّهت ميتران إلى جمع من الصحافيين قائلة «نحن جمهوريون، هذه الأرض التي نحن عليها هي أرض مفتوحة»، رافضة سياسة الانغلاق والحصار والترحيل.
وقد شارك في تظاهرة باريس أوليفيه بوزانسونو «الزعيم الشاب» للحزب المعادي للرأسمالية، إلى جانب لوك ميلانشون اليساري المنشق عن الحزب الاشتراكي، إضافة إلى عدد من الوجوه اليمينية البارزة مثل وزيرة البيئة السابقة كورين لوباج، وعدد من مسؤولي الحزب الحاكم الذين فضّلوا البقاء بعيداً عن الأضواء.
كذلك شارك بعض «إيديولوجيّي اليمين»، ومنهم على سبيل المثال «الفيلسوف المفضَّل لدى ساركوزي» إدغار موران، الذي لم تعتد «ساحة الباستيل الثورية» وقْع أقدامه، وهو الذي يستشهد به ساركوزي في خطاباته «كل عشرة أسطر»، حسب قول أحد المراقبين.
ورافق تظاهرة باريس، التي بلغ تعداد المشاركين فيها خمسين ألفاً حسب المنظّمين و«اثني عشر ألفاً» حسب دوائر الشرطة، تجمّع لعدد كبير من الفنانين أبقوا مكان لقائهم أمام وزارة الهجرة والهوية الوطنية سرياً إلى آخر لحظة. وقد وقفوا تحت شرفة الوزير «المنتقل من صفوف اليسار، الخائن إريك بيسون» لينشدوا أغنية «قصاصات ورق» للمغني الراحل «الثوري» سيرج غينسبورغ، التي تصف معاناة «المحرومين والمهاجرين». وتصدّرت هذه التظاهرة الفنية إحدى زوجات غينسبورغ جين بيركن، إلى جانب عدد من الفنّانين أغلبهم من أصول أجنبية أعلنوا «استعدادهم للموت من أجل فرنسا»، ومنهم من «ناضل من أجل وصول ساركوزي إلى الإليزيه»، مثل «الفنانة الشهيرة ريجين» التي أعربت عن «ندمها» على نضالها السابق.
وفي اليوم نفسه، نشرت صحيفة «لوموند» رسالة مفتوحة للكاتب المغربي ـــــ الفرنسي طاهر بن جلون موجَّهة إلى ساركوزي، يصف فيها طروحاته بأنها «أخطاء مميتة» لا يجب أن يقع فيها مسؤول من الصف الأول. وقد ردّ الوزير بيسون، ذو الأصول اللبنانية، بأن «استقبال المهاجرين مكلف جداً لدافعي الضرائب الفرنسيين».
لكن بالتزامن مع التحركات، نُظِّمَت في العاصمة الفرنسية تظاهرة من نوع آخر تحت تسمية «حفلة أبيريتيف عامة»، نظّمها تجمع جمعيات يمينية متطرفة تعمل تحت تسمية «الرد العلماني»، وسبق لمحافظ العاصمة أن رفض السماح بتنظيمها مع بداية شهر رمضان. ويهدف المنظّمون عبر حفلة «نبيذ ومقانق» إلى التعبير عن رفضهم لـ«الزحف الإسلامي» في فرنسا. وبعد أخذ وردّ، قررت السلطات السماح لهم بتنظيم الحفل لمناسبة ١٤٠ عاماً على إعلان الجمهورية الفرنسية الثالثة. ورغم عدم مشاركة أعداد وفيرة في هذا الحفل، إلا أنّ عدداً من المراقبين يرون في هذا التوجه نوعاً من «البحث عن صدام واستفزاز من قبل اليمين المتطرف» نتيجة مباشرة لفتح ساركوزي مسألة الهوية، وربط تراجع الأمن بالهجرة، مع إشارات إلى مسؤولية المهاجرين من أصول مسلمة.