باريس ــ بسّام الطيارةوتشير الاستطلاعات إلى أن حركة الاحتجاج تحظى بشعبية كبيرة لدى الرأي العام الفرنسي، ويؤيدها ٧١ في المئة من المواطنين الذين يجدونها «مبررة»، رغم محاولات الحكومة التخفيف من بعض بنودها، ومنها استثناء الأمهات اللواتي لديهن ثلاثة أولاد من زيادة فترة العمل، وهو ما رفضته النقابات وعلقت عليه بعض الجهات بأنه «فارغ».
وفي الواقع فإن ساركوزي يرفض المس بـ«جوهر التشريع الجديد»، أي تراجع سن العمل من ٦٠ إلى ٦٢ عاماً الذي جعله شعاراً لعهده ومحور نزاعه مع النقابات. وبالمقابل فإن النقابات قررت التشدد بالتلويح بإضرابات عامة في بعض المرافق، وتركت للنقابات القطاعية حرية إقرارها وهو ما انعكس تشدداً وإقرار إضرابات مفتوحة في عدد من المرافق، منها النقل وشركات البريد والاتصالات. أما التهديد الأكبر فيأتي من قطاع الطاقة والمصافي، الذي يلوّح أفراده بإحداث شح وتراجع في تموين المحروقات، وهو ما يخيف كثيراً الأوساط الصناعية والمواطنين. إلا أن هذا السيناريو لا يزال عالقاً بقرارات يأخذها عمال الشركات على الأرض وهو مرتبط أيضاً بنسبة المشاركة في الإضراب. وقد حذّر عمال السكة الحديد من أنهم لن يلتزموا وحدهم هذا النوع من التحرك، ما لم يكن شاملاً.
وما يأتي ضد تيار الإضرابات هو عامل قدرة المشاركين في الإضرابات على تحمّل حسوم أيام الإضراب من رواتبهم في ظل الأزمة المالية الحقيقية التي تعصف بالطبقات الفقيرة. ومن هنا تحذيرات بعض المراقبين من أن «نفَس الإضراب يتراجع» وأن كل يوم إضراب جديد يشهد «وجوهاً جديدة»، ويفيد هذا بأن عملية الاحتجاج تتوسع إلا أن المشاركة تظل مشرذمة رغم التظاهرات المليونية. وسوف يمكن قراءة التوجه العام للاضراب المكشوف عبر عدد الموظفين الرسميين المشاركين اليوم، إذ أقر أحد كبار الاتحاد العمالي العام «سي جي تي» بأن كثيرين يرفضون خسارة راتب يوم عمل، الأمر الذي يشير إلى أنه رغم قوة الاحتجاجات فإن «المقاومة التاتشرية» التي أظهرها ساركوزي يمكن أن تفضي إلى إقرار القانون بأقل خسائر ممكنة.
عامل واحد يمكن أن يقلب موازين القوى هو المشاركة الطلابية ونزول تلاميذ المدارس إلى الشوارع، إذ كما يقول أحد المراقبين «إذا شارك الطلبة فمن الصعب إعادتهم إلى صفوفهم». وتشير الاستطلاعات إلى أن ٨٤ في المئة من الشباب (ما بين ١٨ و٢٤ عاماً) يعارضون هذه القوانين الاجتماعية التي سوف تطبق عليهم وتصيب حياتهم المهنية أكثر من تأثيرها على نهاية خدمة من ينزل اليوم إلى الشوارع بسبب تدريجيّة تطبيقها مع الوقت لتصبح نافذة خلال ثماني سنوات.
ويدرك الجميع أن أي تحرك طلابي واسع يمكن أن «يوسع من دائرة المطالبات ويتجاوز المطالب العمالية». أمر لا يحبذه ساركوزي، وخصوصاً في ظل تراجع شعبيته التي انزلقت إلى ٢٦ في المئة، وهو ما لم تصل إليه شعبية أي رئيس فرنسي سابق.