Strong>لعبة إلكترونيّة تعكس الصراع في أفغانستان«ميداليّة الشرف». لعبة فيديو لا تختلف عن كثير من الألعاب القتالية الموجودة في الأسواق. وإن كانت مجريات اللعبة تتطلب دائماً وجود طرفين يتصارعان للفوز، فلا بأس من كل ذلك. ولكن حذار أن تجسّد اللعبة قوات حلف منظمة الأطلسي في أفغانستان وهي تتقاتل مع عناصر حركة «طالبان». فالمعادلة ستنقلب. وستجد صرخات وزراء الدفاع في عدد من دول الحلف تتصاعد محذّرة من مخاطر تقويض اللعبة لقيم بلادهم. أما شركة «إلكترونيك آرتس» المصنّعة التي رضخت في نهاية المطاف للانتقادات، فلم تشعر بالحرج من إعلان سرورها بالجدل لأنه سيزيد المبيعات عندما تطرح اللعبة في الأسواق بدءاً من اليوم

جمانة فرحات
«طالبان» تلاحقنا في أقاليم أفغانستان وأنتم تأتون بها إلى بيوتنا، تعرّفون أطفالنا إليها، تسمحون لهم بالتعاطف معها، تنكأون جراح أمهات وزوجات جنودنا القتلى والمصابين. ذاك لسان حال وزراء الدفاع في كل من بريطانيا ونيوزيلندا وكندا والدانمارك الممتعضين من إعلان شركة «إلكترونيك آرتس» طرح نسخة جديدة من لعبة «ميداليّة الشرف» في الأسواق، بدءاً من اليوم تمكّن مشتريها من مهاجمة قوات حلف شمالي الأطلسي في أفغانستان.
وعندما تخلط وزارة الدفاع البريطانية بين الواقع، حيث تواجه قوات حلف الأطلسي حرباً ضروساً تحول خلالها جنودها إلى هدف سهل لمسلحي حركة «طالبان» وبين لعبة تحاكي المعارك إلكترونياً، يمكن تخيّل سبب اشمئزاز وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس، واعتباره اللعبة أنها «ببساطة غير بريطانية».
اشمئزاز دفع فوكس إلى دعوة المحال التجارية في بلاده إلى «إظهار دعمها للقوات المسلحة البريطانية وحظر هذه اللعبة التي لا طعم لها»، وخصوصاً أن «أطفالنا فقدوا آباءهم، ونساءنا فقدن أزواجهنّ على أيدي حركة طالبان».
تصريحات بدت أنها تجبر البريطانيين على تحديد خياراتهم في قضية أمن قومي، وتطالبهم على طريقة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، بأن يكونوا إما مع القوات البريطانية وإما ضدها.
بدوره، رأى وزير الدفاع النيوزيلندي، واين ماب، أن اللعبة «تقوّض قيم أمتنا، والخدمة المتفانية لرجالنا ونسائنا في الجيش»، لافتاً إلى أن «مئات الرجال والنساء من نيوزيلندا وضعوا حياتهم على المحك لمكافحة الإرهاب في أفغانستان».
أما وزير الدفاع الكندي، بيتر مكاي، فأعرب عن اعتقاده بأن «من الخطأ جعل أي شخص، ولا سيما الأطفال، يقوم بدور طالبان». ونصّب نفسه متحدثاً باسم الشعب الكندي بقوله «أنا متأكد من أن معظم الكنديين غير مرتاحين وغاضبين من هذه اللعبة».
بدورها، رأت وزيرة الدفاع الدنماركية جيته ليليلوند بيك أن اللعبة «سيئة الذوق»، لافتةً إلى أن «الصراع لم ينته بعد». وتحدثت عن عدم اعتزام الحكومة سن قانون ضد لعبة الكمبيوتر، لأن شباب الدنمارك يمكنهم التمييز بين الصواب والخطأ.
في المقابل، لم يصدر أي رد فعل رسمي لوزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، المفترض أن بلاده المعني الأول باللعبة، على اعتبار أن الجنود في اللعبة يمثلون القوات الخاصة الأميركية. إلا أن غياب الموقف الرسمي الأميركي لم يمنع بعض أسر الجنود الأميركيين في أفغانستان والعراق من الإعراب عن استيائهم من اللعبة. وقالت كارين ميريديث، التي قتل ابنها في عام 2004، «نحن نحاول أن نجد وسيلة لنكمل ما بقي من حياتنا ليأتي أحدهم بهذه اللعبة». وأضافت «أريد من الذين ابتدعوا هذه اللعبة أن ينظروا في عينيّ ويقولوا لي ما الغرض من هذا الترفيه».
ولكن مآخذ ميريديث لم تقف عند هذا الحد. بل ذهبت أبعد من ذلك لتتحدث من وجهة نظرها عن مخاطر إطلاق لعبة عن الحرب في أفغانستان، في وقت لا تزال فيه فصول المعارك مستمرة على الأرض. ورأت أنه «ليس هناك وقت للعب في الحرب»، بعدما اعترفت بأن القوات تمرّ بظروف سيئة جداً في أفغانستان. وانضمّ بعض الجنود، الذين قاتلوا في أفغانستان، إلى جوقة المعترضين، وبينهم الكندي أندرو ماكدونالد الذي تركّز عمله مع قوات بلاده على تشويه سمعة «طالبان».
تشويه يرى ماكدونالد أن اللعبة لا تساعد على القيام به، بل تؤدي إلى نتائج عكسية. وأضاف: من المدهش أن الشركة المنتجة للعبة ستختار «إضفاء الشرعية على منظمة إرهابية»، محذراً من أن مقاتلي طالبان «ليسوا بالتأكيد لاعبين لطيفين جداً وفعلوا بعض الأشياء السيئة فقط».
بدوره، شبّه عضو في جمعية لقدامى المحاربين في الدانمارك اللعبة بأنها «بمثابة إطلاق النار على رفاقك في الجيش الدنماركي».
في المقابل، رفضت الشركة المصنعة الصبغة التي اتخذها الجدل، وإن حاولت استرضاء المعترضين بتبديل اسم مقاتلي طالبان باسم «القوات المعارضة».
وذكّرت متحدثة باسم الشركة المعترضين بأن معظم الأشخاص «مارسوا مثل هذه الألعاب في الصغر؛ شخص يقوم بدور الشرطي وآخر يقوم بدور اللص، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على اللعبة الجديدة».
أما مدير الشركة فقد رأى أن الضجة التي سببتها تصريحات وزراء الدفاع، إلى جانب الجدل في الصحف والمنتديات، ستنعكس حتماً إيجاباً على حجم المبيعات، مؤكداً أن ما يتردد من صخب سيجعل الناس يريدونها أكثر.
إقبال بكثرة على اللعبة لن يكون خبراً ساراً للحكومات المشاركة في الحرب على أفغانستان، التي تثبت يوماً بعد يوم فشلها، مخلفةً وراءها جنوداً قتلى باتت أعدادهم تسجل أرقاماً قياسية وغضباً شعبياً عارماً، ولا سيما في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية واضطرار دافعي الضرائب إلى تحمل نفقات حرب خاسرة. ولا يخفي الجدل، الذي رافق الإعلان عن اللعبة قبل أكثر من شهر، حقيقة أن الحروب لطالما كانت مصدراً لإصدار نسخ متعددة من الألعاب القتالية منذ حرب فيتنام، مروراً بحرب العراق، وصولاً إلى حرب أفغانستان.
وإن كان منتقدو اللعبة لا يخشون أن يتحول المشاركون فيها إلى عناصر في حركة «طالبان» يقاتلون قوات حلف «الأطلسي» أو حتى يتعاطفون معها، إلا أنهم يدركون أن من شأن لعبة مثل «وسام الشرف» أن تلفت أنظار الكثيرين الذين يجهلون تفاصيل الحرب في أفغانستان، ولا سيما أن تغير اسم المقاتلين في اللعبة لن يتمكن بطبيعة الحال من تغيير حقيقة الدور الذي تقوم به «طالبان» على أرض المعارك في أفغانستان.


حظر داخل القواعد الأميركية

في خضم الجدل المثار حول قرب طرح شركة «إلكترونيك آرتس» نسخة جديدة من لعبتها «ميدالية الشرف»، سيحرم الجنود الأميركيون من شراء اللعبة من داخل قواعدهم العسكرية.
واتخذت دائرة خدمات الإمداد والتموين التابعة للجيش الأميركي والقوات الجوية قراراً بحظر بيع لعبة «ميدالية شرف» داخل قواعدها العسكرية في جميع أنحاء العالم، في محاولة غير مباشرة منها للحفاظ على معنويات جنودها ومنعهم من التأثر باللعبة.
وبررت الأمر بأن اللعبة تصور «السلوك العنيف» من جهة، وأن الدائرة تريد إبداء «الاحترام للأشخاص الذين لا يزالون في الخدمة» من جهةٍ ثانية.
وفيما أبدى بيان الدائرة أسفه لأيّ «إزعاج يسبّبه القرار»، أعرب عن اعتقاده بأن أصحاب المحال سيتفهّمون حساسية سيناريوهات الموت والحياة التي تجسدها اللعبة.