رأى زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في الاتفاق الذي أبرمته الكوريتان يوم الثلاثاء الماضي «حدثاً تاريخياً» يمهد لنزع فتيل التوتر العسكري، بل وتحسين العلاقات بين الشقيقين اللدودين. ورأى كيم أن القوة العسكرية لبلاده، وتمتعها بقدرة الردع النووي، هي صاحبة الفضل بالتوصل إلى الاتفاق، وذلك على خلفية المناورات المشتركة الأكبر بين كورية الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية، اللتين لا تخفيان أنها موجهة ضد الشمال.
ونقلت وكالة الأنباء الكورية الشمالية عن كيم قوله، خلال ترؤسه اجتماع اللجنة العسكرية المركزية، إن الاتفاق مع سيول أعاد الدولتين الشقيقتين إلى طريق «المصالحة والثقة»، وإنه يمثل «فرصة تاريخية حاسمة» لتدشين عهد جديد في العلاقات الثنائية. ورأى كيم أن لبيونغ يانغ الفضل في إبرام الاتفاق مع سيول، ذلك أنها «وافقت على إجراء المفاوضات، تأكيداً لقوتها الاخلاقية والاستراتيجية»، وأنها بذلك «سمحت بالسيطرة على الوضع الذي كان على بعد خطوات من الحرب». وأكد كيم أن الفضل بالتوصل للاتفاق يعود أساساً إلى القوة العسكرية لبلاده، التي تتمتع بقدرة الردع النووي، معلناً أن بيونغ يانغ تعطي الأولوية الآن لمواصلة جهود تعزيز القدرات العسكرية، نافياً إمكانية بحث إنهاء برنامج التسلح النووي.
وأعلنت وكالة الأنباء الكورية الشمالية أن الاجتماع الأخير للجنة العسكرية المركزية، أعلى هيئة عسكرية في الحزب الحاكم في البلاد، شهد «إقالة بعض أعضاء اللجنة المركزية العسكرية وتعيين أعضاء آخرين ومعالجة قضايا تنظيمية»، وذلك في سياق معالجة الأزمة الأخيرة التي نشبت بين الكوريتين، دون أن تعطي تفاصيل حول المسألة. ومن جهتها، أعلنت أمس وزارة شؤون الوحدة في كوريا الجنوبية أن الصليب الأحمر في كوريا الجنوبية اقترح، في رسالة إلى الجارة الشمالية، عقد محادثات في قرية بانمونجوم الحدودية في السابع أيلول المقبل، وذلك لبحث إمكانية لمّ شمل العائلات التي فرقها تقسيم شبه الجزيرة الكورية بفعل الحرب التي دارت بين عامي 1950 و1953، والتي تدخلت فيها الولايات المتحدة بكثافة، وأنهتها بعملية قصف استراتيجي حصد عشرات آلاف الضحايا. وفي السياق نفسه، كانت كوريا الجنوبية قد أعلنت يوم الأربعاء الماضي عزمها على مناقشة طلب كوريا الشمالية رفع العقوبات التي فرضتها سيول في أعقاب هجوم بحري عام 2010؛ علماً بأن الولايات المتحدة تفرض حصاراً على كوريا الشمالية منذ نهاية الحرب الكورية.

ستبحث الكوريتان لمّ شمل العائلات التي فرقها التقسيم
وتتوقع السلطات الكورية الجنوبية أن تثير بيونغ يانغ أثناء المحادثات المقبلة «قضية 24 مايو 2010» عندما أعلنت كوريا الجنوبية فرض عقوبات وقطعت معظم التبادلات مع الشمال، بما في ذلك السياحة والتجارة والمساعدات الخاصة، بعد أن اتهمت الشمال بشنّ هجوم بطوربيد على سفينة تابعة للبحرية الكورية الجنوبية، أدى إلى مقتل 46 بحاراً.
ويهدد التطورات الإيجابية هذه التوتر الناجم عن المناورات التي تجريها سيول سنوياً مع القوات الأميركية، والتي يشارك فيها العام الحالي نحو 3000 جندي كوري جنوبي وأميركي، ونحو 100 دبابة وآلية مصفحة و120 مدفعية ثقيلة و45 مروحية وأكثر من 40 مقاتلة، وذلك على بعد نحو 20 كيلومتراً عن المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين. ولا يخفي الجانبان أن مناوراتهما تحاكي «التصدي لغزو» من جانب الشمال، الذي يعتبر بدوره أن المناورات تلك إنما هي تدريب على غزو أراضيه.
وكانت الكوريتان قد اتفقتا يوم الثلاثاء الماضي على إنهاء حالة الاستنفار العسكري، بعد أن تبادلت قواتهما إطلاق الفذائف الصاروخية والمدفعية في المنطقة الحدودية، وذلك في اجتماعات ماراثونية أجراها مسؤولون من الطرفين في قرية بانمونجوم الحدودية، حيث وُقّع اتفاق وقف اطلاق النار الذي أنهى الحرب الكورية عام 1953. وبموجب الاتفاق، أوقفت سيول بث الرسائل الدعائية المعادية لبيونغ يانغ عبر الخط العسكري الفاصل، ووافق الشمال على إنهاء «حالة الاستعداد للحرب» التي أمر بها كيم، وعبّر عن الأسف لانفجار ألغام أدت إلى إصابة اثنين من جنود كوريا الجنوبية مطلع آب الجاري. والأهم أن الاتفاق يلزم البلدين الشقيقين بالتحاور.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)