السلفيون لمواجهة خطر «الإخوان»... وغضب الأقباط وائل عبد الفتاح
«افتكر تاريخهم الأسود»، ملصقات انتشرت على جدران الإسكندرية في الأيام الأخيرة، في إطار حملة واسعة ينظّمها «شباب بيحبّ مصر» شعارها: «لا للإخوان». الحملة جديدة، وتحرّض على التصويت ضد الإخوان لأنهم يكرهون مصر (يعيدون التذكير بجملة شهيرة قالها المرشد السابق مهدي عاكف: طظ في مصر) وأفكارهم ضد الديموقراطية (يعتمدون على الطاعة العمياء، والمرشد السابق أيضاً له جملة شهيرة يحرّض فيها على ضرب معارضي الجماعة في البرلمان بالحذاء).
المعركة بين الحزب الوطني الديموقراطي وجماعة «الإخوان المسلمين» هي المعركة، وغيرها هوامش سيحاول النظام السيطرة عليها بقدر يتيح له الحصول على خاتم نزاهة من تحقيق نجوم في المعارضة نجاحاً غير متوقع، أو على الأقل وضع خريطة بدوائر يريدها النظام «خالية من التزوير» أو من «التوجيهات العليا بالتزوير». هذا لا يعني عدم إتاحة الفرصة أمام «التزوير بالجهود الفردية للمرشحين».
النظام يريد خاتم النزاهة، الضروري في مرحلة العبور الى رئاسة جديدة، وانتزاع شرعية جديدة (غالباً للرئيس حسني مبارك) بالأدوات القديمة لكن تحت غطاء جديد (انتخابات متعددة المرشحين). الغطاء يحتاج إلى خاتم، والخاتم لا بد أن يكون وفق سيطرة محكمة إلى درجة مفرطة.
لماذا يخاف النظام أو يتوتر، كما يبدو من تحركاته؟ وماذا سيحدث إذا حصل «الإخوان» على نسبة مقاعدهم السابقة؟ أسئلة تطرح نفسها على مستويات متعددة من جلسات النخبة السياسية المهتمة وحتى السهرات حول دخان الشيشة. لماذا تبدو أجهزة الدولة منفعلة؟ ضباط أمن الدولة تجولوا منذ أيام في شوارع وسط العاصمة وأمروا بإغلاق المقاهي، وبدا المشهد غريباً قرب ساعات الفجر، وبدا الخروج الجماعي لرواد المقاهي أقرب إلى تجمهر من النوع الذي لا تحبّه أجهزة الأمن.
التجمهر بالضبط هو سر توتّر الأجهزة الأمنية. والجماعة هنا محطّ القلق، لأنها قادرة على «ركوب الشارع» في أي لحظة، وتحويل الحشود الانتخابية الى مناسبة شحن للاحتقان الشعبي. هذا رغم ما يقال عن «صفقات سرية» بين النظام والجماعة، أو خطة محكمة لتقليص مقاعد نواب الإخوان من ٨٨ الى ما يوازي ربع العدد أو أقل، وإن كان البعض في دائرة صناعة القرار قد أعلن الرغبة في منع الجماعة من الدخول «تحت القبة»، وهو ما يعني تلقائياً العودة الى «تحت الأرض».
الأجهزة العاقلة تعرف أن العودة الى تحت الأرض صداع لا يحتمله النظام العجوز. المناوشات ليست بين الجماعة والحزب، بل بينها وبين الأجهزة، ولهذا استعرضت الجماعة قوتها ووجّهت رسالة الى عقلاء النظام على لسان المرشد محمد بديع: «لن ننسحب من الانتخابات»، «سنحاسب الحكومة على كل نقطة دم تراق في الانتخابات»، «سنحمي الصناديق».
لهجة حادة للمرشد تشير إلى أن العنف ارتفعت درجته بعد قرار غير معلن للجماعة باستخدام آلية المسيرات في الدعاية لمرشحي الجماعة.
هل هناك مسافة بين العقل الأمني والعقل السياسي يمكن أن تمر منها الجماعة؟ الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بوقف انتخابات ١١ دائرة في الإسكندرية، يمكن أن يكون ثغرة يفاوض منها النظام على التهدئة في مقابل تنفيذ الحكم بقبول مرشحي الجماعة المرفوضين.
قرار المحكمة جاء بعد رفض وزارة الداخلية واللجنة العليا للانتخابات قيد ٦٩ مرشحاً في دوائر الإسكندرية وكفر الشيخ، بينهم ١٤ من الإخوان والباقون من المستقلين أو المستبعدين من قوائم الحزب الوطني.
الإسكندرية هي أرض المعركة الكبرى بين النظام والجماعة، والمركز سيكون دائرة الرمل، حيث يخوض حرب النظام الوزير عبد السلام المحجوب، الذي يعتمد في دعايته على سنوات إدارته للإسكندرية، وهي سنوات صنعت شعبية ضخمة ينتظر النظام أن توقف شعبية الجماعة في العاصمة الثانية.
خصم الوزير المرشح صبحي صالح الذي يعتمد على أن التصويت في الدائرة «رافض» للنظام تاريخيّاً، وقبل أن يسيطر عليها «الإخوان».
النظام يجهز للجماعة جيشاً سرياً من الجماعات السلفية، التي دخلت منذ فترة تحت عباءة النظام، وعُدّت جناحه أو جيشه الديني لضرب الجماعة، معتمداً على أفكار تحرّم «الخروج على الحاكم».
الجيش السلفي فعّال خلال الفترة الأخيرة، وألعابه متعددة من احتلال مواقع في الشارع لحصار «الإخوان»، الى أداء دور الفزاعة لتحجيم سطوة الكنيسة والبابا. يتوقّع المراقبون استخدام السلفيين في إعادة إخراج أحداث كنيسة العمرانية على أنها رغبة من الأمن في حماية الأقباط من بطش السلفيين، الذين حرّكوا قبل فترة قصيرة تظاهرات تطالب بتحرير أسيرتي الكنيسة: كاميليا ووفاء.
استخدام السلفين يأتي في سياق الخوف من انتقام الأقباط، وخصوصاً سكان العشوائيات البعيدة عن السيطرة التقليدية للكنيسة وتوازناتها. هؤلاء لهم ثأر الآن مع أجهزة الأمن، ومن المتوقع أن يخرجوا عن اتفاق الكنيسة والنظام بالتصويت الروتيني لمصلحة الحزب الحاكم.
المعادلة تغيّرت بعد إراقة الدماء في العمرانية، وهو ما يمثل تحوّلاً خطيراً في نفسية الأقباط، ولا سيما بعد بيان الحزب الحاكم الذي رأى أحداث العمرانية «مبيّتة ومخططة».
كيف سيحكي الدم عن الأيام الحرجة في مصر؟ هذا ما ستقوله الأيام المقبلة.