المحتجون يرفضون رفع الأقساط ويتعهّدون إطاحة كليغ جمانة فرحات
لم يكن نجاح حزب الديموقراطيين الأحرار في التحوّل إلى الحزب الثالث في بريطانيا، بعيداً عن مقاربته للوضع الاقتصادي والاجتماعي خلال فترة الحملات الانتخابية. فعندما توجه البريطانيون إلى صناديق الاقتراع في أيار الماضي، وضعوا خلفهم العديد من مشاكل تسببت بها سياسات بلادهم الخارجية، وركّزوا في مفاضلاتهم على ما تطرحه الأحزاب من حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بعدما أجبروا بفعل تداعيات الأزمة المالية على مواجهة أوضاع اقتصادية صعبة وهم يشهدون للمرة الأولى خلال سنوات طويلة أرقاماً قياسية تحققها معدلات البطالة والتضخم.
قضايا أحسن حزب «الديموقراطيين الأحرار» اللعب على وترها متحدثاً عن سياسات اقتصادية واجتماعية تراعي ظروف البلاد، بينها مسألة التعليم الجامعي التي خصص لها جزءاً من برنامجه الانتخابي، متعهداً عدم السماح برفع الأقساط الجامعية، على أن يعمل على إلغائها على الأمد الطويل.
إلا أنه سرعان ما تبين للطلاب زيف هذه التعهدات، بعدما كشفت الحكومة الائتلافية، التي ألّفها المحافظون مع الديموقراطيين الأحرار، عن توجه لزيادة الأقساط الجامعية لتؤلّف المصدر الأساسي لتمويل القطاع التعليمي الجامعي ابتداءً من عام 2012 وبما يتلاءم مع خطة الحكومة لخفض عجز الميزانية.

حزب الديموقراطيين الأحرار خطّط قبل الانتخابات لنقض تعهّداته
والخطة، التي تتضمن مضاعفة الأقساط الجامعية وإجبار الطلاب على تسديد أقساطهم من خلال قروض ووفقاً لحجم مداخيلهم بعد التخرج، استتبعت رداً طالبياً للتعبير عن رفض توجهات الحكومية الجديدة. ردّ جاء على شكل «ثورة»، مستلهماً بعض مشاهد الشارع الفرنسي، حيث تحولت التظاهرات احتجاجاً على مشاريع الحكومة إلى حدَث شبه يومي.
لكن على عكس الفرنسيين، الذين لم يخوضوا اشتباكات مع الشرطة إلا في المرحلة الأخيرة من تظاهراتهم، كان العنف سيد الموقف في أول تظاهرة نظمت في العاشر من الشهر الجاري، ما يعكس بطبيعة الحال حدة الموقف على الساحة البريطانية وإن حاولت قيادات طالبية شجب العنف، على اعتبار أن معركتهم لا تزال في بدايتها ويجب التحلّي بالصبر.
وإن كانت التظاهرة الأولى صبّت غضبها على مقرّ حزب المحافظين، بوصفه الشريك الأكبر في الحكومة، فإن التظاهرة الرئيسية للطلاب التي شهدتها لندن أول من أمس توجهت إلى مقر حزب الديموقراطيين الأحرار، الذي أصبح بالنسبة إلى الطلاب نموذجاً سيئاً للحكم.
فلم تكد تنفجر قضية رفع الرسوم الجامعية حتى سُرّبت وثائق تكشف عن أن الحزب، في ظل استطلاعات الرأي التي لم تكن على الإطلاق تأخذ بالحسبان إمكانية تحقيقه فوزاً كاسحاً، كان يعدّ مسودات للتفاهم مع الفائز الرئيسي في الانتخابات تتضمن مبادئ محددة، بينها أن «الحزب لن يضيّع رأس ماله السياسي دفاعاً عن تعهده الانتخابي بإلغاء رسوم التعليم الجامعي في غضون ست سنوات»، لأنه سيصار، بكل بساطة، التوافق مع الأحزاب الأخرى «على رفع الحد الأقصى للرسوم الدراسية، لذلك دعونا لا نسبب الصداع لأنفسنا أكثر».
وبات في حكم المؤكد أن الديموقراطيين الأحرار كسبوا خصماً جديداً ممثلاً باتحاد الطلبة البريطانيين، بعدما توعدت قياداته العمل على إطاحة كليغ إلى جانب نواب الحزب الذين أخلّوا بتعهداتهم عدم السماح بتغيير الأقساط الجامعية، ولا سيما أن 57 نائباً من الحزب وقّعوا إبان الحملات الانتخابية على عريضة ترفض أي زيادة للأقساط الجامعية.
ويبدو أن اتحاد الطلبة قرر مقارعة كليغ في عقر داره مستغلّاً اقتراحاته السابقة، وبينها مبادرة «الحق في الاستدعاء»، القائمة على السماح بانتخابات جزئية لتغيير أحد النواب في حال إدانته بارتكاب مخالفات خطيرة أو إذا ارتأى 10 في المئة من الناخبين ضرورة استبداله.

توقّعات بفصل شتاء ساخن لن يكون بمنأى عن استغلال المعارضة
ووسط حال من الارتباك والإحراج، لم يجد زعيم حزب الديموقراطيين الأحرار، الذي وجهت له نصيحة أمنية بالتوقف عن التنقل في لندن على دراجته الهوائية، مفراً من الإقرار بإخفاقه في الحفاظ على وعده، مبرراً الأمر بالقول «هناك تنازلات يجب أن نقدمها في الحكومة الائتلافية». وحاول الترويج أن التسوية التي توصل إليها مع حزب المحافظين جعلت النظام التعليمي أكثر عدلاً، على اعتبار أن الطلاب «الأكثر فقراً والذين يؤلفون 25 في المئة من المتخرجين، سيدفعون أقل».
إلا أن الدراسات أظهرت عكس ذلك، بعدما تبين أن رفع الأقساط سيؤثر سلباً على الفئات الأكثر فقراً دون غيرها، وهو ما جعل طلاب الثانويات ينضمّون إلى طلاب الجامعات في تظاهراتهم على اعتبار أن مصيرهم واحد.
وبعدما حددت مواعيد لثلاث تظاهرات مقبلة، يتوقع أن تصل الاحتجاجات إلى ذروتها مع اقتراب شهر آذار، حين سينفّذ البريطانيون سلسلة من التظاهرات احتجاجاً على الاقتطاعات المتواصلة، بما ينذر بفصل شتاء ساخن لن يكون بمنأى عن استغلال المعارضة.
إلا أن ما يضاعف من قلق الائتلاف الحكومي احتمال مواجهته تحركات نقابية متعددة لن تقتصر على القطاع التعليمي، بعد تأكيد الأمين العام لنقابة «يونايد»، التي ينضوي تحتها أكثر من مليون ونصف مليون عامل، استعداد النقابة لدعم أي إضراب.
وما يزيد من مخاطر الحركات الاحتجاجية بروز شكوك حول تلكؤ عناصر من الشرطة البريطانية في الوقوف بوجه المتظاهرين، ما استدعى فتح تحقيق في أداء الشرطة.
تلكؤ فسّر بتململ داخل الشرطة، التي تواجه أيضاً خططاً لتقليص عديدها وأجورها.
في هذا الوقت، واصل الطلاب أمس اعتصاماتهم واحتلّوا عدداً من الجامعات في لندن وأوكسفورد وكارديف مطلقين دعوة جديدة إلى التحرك في 30 تشرين الثاني.


إقصاء الفقراء عن الجامعاتووفقاً للاستطلاع، فإن رفع تكلفة الأقساط بمعدل 5 آلاف يورو في السنة من شأنه أن يردع ما يقرب من نصف الفئات الأكثر حرماناً عن التوجه نحو التعليم العالي، فيما رفع الرسوم إلى 7 آلاف يورو سيخفض عددهم بنحو الثلثين. وأبدى 55 في المئة فقط من الطلاب الذين لا يتلقون مساعدة من أهلهم لإكمال تعليمهم، استعدادهم لدفع 5 آلاف يورو في العام، فيما انخفض عدد من وافقوا على مبلغ الـ7 آلاف يورو إلى 35 في المئة فقط.