أعلنت الرئاسة اليونانية يوم أمس تعيين رئيسة المحكمة العليا، القاضية فاسيليكي ثانو، رئيسة وزراء لتصريف الاعمال، حتى تنظيم الانتخابات المبكرة التي لم يُحدد موعدها بعد. ويضغط رئيس الوزراء المستقيل، أليكسيس تسيبراس، لتقديم موعد الانتخابات إلى 20 أيلول المقبل، في محاولة منه لحرمان المنشقين عن حزبه فرصة تنظيم صفوفهم، ولاستباق تصاعد النقمة الشعبية، مع تبلور نتائج سياسات «التقشف» التي تبنتها حكومته أخيراً.
أعاد أمس بانايوتيس لافازانيس، زعيم حزب «الاتحاد الشعبي»، ثالث أكبر أحزاب البرلمان اليوناني، مهمة تأليف الحكومة إلى الرئيس بروكوبيس بافلوبولوس، إثر فشله في تأليف حكومة ائتلافية في المهلة الدستورية المحددة بثلاثة أيام. ويوم الجمعة الماضي، كان بافاوبولوس قد كلف إيفانجيلوس ميماراكيس، زعيم حزب «الديمقراطية الجديدة»، ثاني أكبر أحزاب البرلمان، تأليف حكومة جديدة، بعد استقالة تسيبراس وحكومته يوم الخميس الماضي، إلا أن مساعي ميماراكيس باءت بالفشل، فأعاد مهمة تأليف الحكومة إلى بافلوبولوس، الاثنين الماضي، ليكلف الأخير بعدها لافازانيس تأليف الحكومة. وينص الدستور اليوناني على أنه، إذا فشل رؤساء الأحزاب الثلاثة الأكبر تمثيلاً في البرلمان في تأليف حكومة، فعلى رئيس البلاد أن يعين أحد رؤساء الهيئات القضائية العليا رئيسا لحكومة تصريف أعمال، تكون مهمتها الأساس إجراء انتخابات نيابية جديدة.

توهّم اليونانيون
أن «سيريزا» قوة مضادة
للنظام القائم

وفيما ستقسِم حكومة ثانو اليمين الدستورية اليوم، فمن المنتظر أن يُجري بافلوبولوس مباحثات مع زعماء الأحزاب السياسية من أجل تحديد موعد الانتخابات المبكرة. وتشير صحيفة «إكاثيميريني» إلى تجاوز رئيس البلاد للموجب الدستوري بعقد اجتماع لرؤساء الأحزاب اليونانية الممثلة في البرلمان، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق حول حكومة ائتلافية، قبل تعيين رئيس حكومة تصريف أعمال والدعوة لانتخابات مبكرة. وتقول الصحيفة إن عدد من أحزاب المعارضة راغب بمثل ذلك الاجتماع، وتنقل عن لافازانيس، قائد النواب المنشقين عن حزب «سيريزا»، تأكيده أن امتناع الرئيس عن عقد الاجتماع هو عمل غير دستوري، وأن الانتخابات يجب ألّا تُعقد قبل 27 أيلول. أما سبب استعجال الرئيس بالدعوة إلى انتخابات في أقرب وقت ممكن، فهو رغبة تسيبراس، زعيم «سيريزا»، بحرمان المنشقين عن حزبه فرصة تنظيم صفوفهم؛ والأهم من ذلك، رغبته باستباق مفاعيل السياسات التي تبناها حديثاً (تحت ضغط دائني البلاد، الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي) على المزاج الشعبي، الذي ستزيد نقمته بفعل الزيادات في الضرائب وتقليص الرواتب ومعاشات التقاعد على وجه خاص، وفق ما كتب جورج تسيبيليس في مجلة «فورين أفايرز».
ويبدو هدف «سيريزا»، الفوز بغالبية نيابية تمكنه من تأليف الحكومة منفرداً، بعيد المنال. ففي انتخابات كانون الثاني المنصرم، كانت شعبية الحزب في ذروتها، إذ كان يرفع شعار رفض سياسات «التقشف» المكروهة شعبياً، ونال 36.6% من أصوات الناخبين، ما فرض عليه تأليف حكومة ائتلافية مع شريك أصغر، هو حزب «اليونانيين المستقلين». أما الآن، وبعدما نكث «سيريزا» بوعوده الانتخابية، بتبنيه السياسات المفروضة أوروبياً وأميركياً، فمن المرجح أن يخسر نسبة هامة من الأصوات لمصلحة أحزاب اليسار (حزب «الاتحاد الشعبي»، وربما الحزب الشيوعي اليوناني) وربما أيضاً، وإن بنسبة أقل، لأحزاب اليمين الرافضة للخضوع لشروط الدائنين، وأبرزها حزب «الفجر الذهبي» الموصوف بالنازي الجديد. في الانتخابات الماضية، اعتقد الكثير من اليونانيين أن تصويتهم لـ«سيريزا» كان تصويتاً لقوة سياسية «مضادة لسلطة النظام القائم»، الذي فرّط بالاقتصاد المنتج ومكتسبات العمال وفاقم البطالة والفقر، «ليحصدوا خيبة مرّة في جميع النواحي»، بحسب أحد المعلقين في صحيفة «إكاثيميريني»، الذي أشار إلى فشل الحكومة المستقيلة «بالقطع مع الماضي وتحرير اليونان من التزامات برامج القروض... فيما تفاقمت البطالة في الأشهر الماضية».
وبرغم ضآلة فرص فوز «سيريزا» بالغالبية النيابية التي تمكنه من تأليف حكومة أحادية ، كان تسيبراس قد أعلن أنه يستبعد تأليف حكومة ائتلافية، وتحديداً مع الأحزاب التي مكّنته، بأصوات نوابها، من تمرير مشاريع القوانين التي تحمل شروط الدائنين في مجلس النواب، بعدما تمرد العشرات من نواب حزبه على «خيانة» تسيبراس لمبادئ «سيريزا» ووعوده الانتخابية، وأفقدوه الغالبية البرلمانية اللازمة لاستمراره في الحكم. ونفى تسيبراس، في غير تصريح، احتمال التحالف مع الأحزاب المذكورة، أي حزب «الديموقراطية الجديدة» اليميني المحافظ، أو حزب «باسوك» الذي يوصف بـ«الاشتراكي»، أو حزب «بوتامي» (يمين الوسط). وكان تسيبراس قد أعلن أنه لا يريد الشراكة مع «المؤسسة السياسية الفاسدة» الممثلة بهؤلاء، التي حكمت البلاد لعقود خلت.
وإن كان من المستبعد أن يتحالف «سيريزا» مع «الاتحاد الشعبي» الخارج من صفوفه، فهل سيعود تسيبراس عن مواقفه الأخيرة، ليتحالف مع الأحزاب التي يستمر في ذمها، برغم اعتماده على أصوات نوابها لإمرار السياسات غير الشعبية، أم أنه سيعود عن مواقفه تلك، كما عاد عن وعوده الإنتخابية؟ أم أن «فقّاعة سيريزا» قد شارفت على الانفجار فعلاً، كما قال أحد المراقبين، وسيفسح «الوكيل» المجال لعودة «الأصيل» إلى الحكم؟
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)