strong>منظمات أوروبيّة غير حكوميّة تساعد في حصار اليسار اللاتينيلم تكن محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها جمهورية الإكوادور قبل شهرين، وليدة صدفة، أو مجرد فعل تمرد داخلي، بمعزل عن التدخل الخارجي، ذلك أن بصمات الولايات المتحدة، ومعها بعض الدول الأوروبية، واضحة في مخططات تغيير هوية بلدان أميركا اللاتينية اليسارية بمعظمها من خلال دعم انقلابات ومؤامرات لعزل رؤساء يقفون في مواجهة الهيمنة الإمبريالية على الحديقة الخلفية للبيت الأبيض. في شهر تموز من صيف العام الحالي، أفردت مجلة «غيهايم» الألمانية المتخصصة بالشؤون الأمنية، معظم صفحاتها للحديث عن التدخل الأميركي ـــ الأوروبي في أميركا الجنوبية والوسطى، مسلطّة الضوء على مؤامرات لتغيير هوية المنطقة

معمر عطوي
تناولت مجلة «غيهايم» الألمانية، في عددها الصادر في شهر تموز الماضي، محوراً يتحدث عن خطط قامت بها واشنطن، «بتواطؤ» أوروبي للقيام بانقلاب في فنزويلا، «لتغيير النظام» من خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت في 26 أيلول الماضي.
ويبدو أن فوز حزب الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، قد فوّت الفرصة على المعارضين الموالين للغرب، ولم يحدث أي تدخل واضح في فنزويلا، بل حدث ذلك في الإكوادور، التي تدور بدورها في كنف الدول ذوي الصبغة اليسارية. فما جرى للرئيس الإكوادوري، رافائيل كوريا، شبيه إلى حد ما بما جرى لرفيقه الفنزويلي في عام 2002. ولعل انقلاب هندوراس، الذي أقيل بموجبه الرئيس مانويل زيلايا المعروف بـ«ميل»، في صيف العام الماضي، يدخل في سياق هذا المخطط. فالولايات المتحدة، حسبما ذكرت «غيهايم» لجأت إلى استغلال نفوذ منظمات مدنية غير حكومية تابعة لأحزاب أوروبية، لإحداث تغيير في المنطقة. وذكرت المجلة عدة منظمات مثل «كونراد أديناور»، التابعة للحزب المسيحي الديموقراطي الألماني، الحاكم، ومنظمة «فريدريش ناومان» التابعة للحزب الديموقراطي الحر، وهو حزب حليف في الائتلاف الحاكم في ألمانيا.
ومن شأن البرامج الاجتماعية والسياسية والتربوية التي تقوم بها هذه المنظمات وتدعمها، تسهيل دحر اليسار البوليفاري، في دول ما يسمى مجموعة دول البديل البوليفاري (ألبا) (تضم كلاً من فنزويلا، والإكوادور وبوليفيا وكوبا وهندوراس ونيكاراغوا ودومينيكا وأنتيجغا وباربودا وسانت فنسينت والغرينادينز في أميركا اللاتينية).
وبالعودة إلى ما حدث في الإكوادور، كان من الطبيعي أن يلقي كوريا بمسؤولية محاولة الانقلاب على سلفه في قصر الرئاسة، لوسيو غوتيريز. لكن ما كشفه الصحافي الكندي، جان غاي إيلارد، استناداً إلى تقرير وزير الدفاع خافيير بونس، في تشرين الأول 2008، يفيد بأن الدبلوماسيين الأميركيين منحوا الشرطة الإكوادورية والعسكر المال منذ وقت طويل، الأمر الذي دفع وزير الدفاع، إلى تهديد المسؤولين والضباط، بعقوبات إذا تقاضوا أموالاً من السفارة الأميركية.
«غيهايم»، أشارت إلى السفيرة الأميركية السابقة في كيتو، هيثر هودغيز، التي اعترفت بالتعاون مع المؤسسات العسكرية في الإكوادور بقولها: «نحن نعمل مع حكومة الإكوادور، مع الجيش، ومع الشرطة لغرض مهم جداً، هو الأمن لنا جميعاً».
لكن الصحافية التحقيقية، إيفا غولينغر، كشفت عن أن هودغيز تمكنت من إنماء منظمات تدعمها وزارة الخارجية الأميركية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمؤسسة الوطنية للديموقراطية. وصرفت الوكالة الأميركية للتنمية وحدها في عام 2010 نحو 38 مليون دولار في أعمالها في الإكوادور. والتمويل لم يشمل فقط الجماعات المدنية المعادية لكوريا، بل أيضاً منظمات السكان الأصليين الهنود.
ويرى رئيس تحرير مجلة «غيهايم»، إنغو نيبل، أن «الأحداث التي جرت في الاكوادور تثبت مرة أخرى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يزالون على استعداد لاستخدام الانقلاب كأداة سياسية». ويكشف نيبل دوراً لمؤسسة «كونراد أديناور» (KAS) ، ومؤسسة «فريدريش ناومان» (FNS) الليبرالية، في انقلاب الهندوراس، 2009.
ويرى أن المرشح المقبل على قائمة الاغتيالات هو نيكارغوا عضو «ألبا»، مشيراً إلى أن مسؤول «FNS»، كريستيان لوث، الذي أيد الانقلاب على زيلايا، لا يزال يصوّب الآن نحو الرئيس السانديني، دانيال أورتيغا (الجبهة الساندية).
وبدا من وراء الهجوم على نيكاراغوا، أن الهدف الاستراتيجي هو حكومة الثوار في كراكاس ثم هافانا، حسبما يقول نيبل في مقال بعنوان «أولاً فنزويلا وبعد ذلك كوبا».
وفي كتاب بعنوان «السي آي إيه في إسبانيا»، يُبين الباحث الشهير الفريدو غريمالدو، من مدريد، كيف «تدير المؤسسات الألمانية برامج في ستين بلداً، حيث صرفت نحو 150 مليون دولار أميركي». ويشير إلى «أنهم يعملون في سرية تامة تقريباً».
ويستشهد الكاتب الإسباني بقول لعميل سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، يدعى فيليب أغي، نشره في صحيفة «زونا سيرو» في آذار عام 1987، يفيد بأنه من ضمن «برامج الديموقراطية» التي أعدتها الوكالة المركزية، استخدمت هذه الوكالة المؤسسات الألمانية لـ«توزيع أموال السي آي إيه»، على الرغم من أن هذه الوسيلة تفيد مصالح الولايات المتحدة.
وفي مقال بعنوان «ضد الروابط الكوبية»، كتب جين غاي إيلارد في مجلة «غيهايم»، أن «المؤسسة الألمانية جزء من «الحركة العالمية للديموقراطية»، التي أنشأتها «المؤسسة الوطنية للديموقراطية». وجرى تمويلها من الوكالة الأميركية للتنمية، التي تمثل الواجهة الرئيسية لوكالة الاستخبارات المركزية».
أمّا الكاتبة الألمانية الخبيرة بشؤون أميركا اللاتينية، سوزان غراتيوس، التي ابتُعِثت للبحث لمصلحة مؤسسة «فريدي» في إسبانيا مدة خمس سنوات، فوصفت في تقرير «متفجّر» بالتفصيل، كيف تدعم مرافق تابعة للولايات المتحدة إلى جانب «كونراد أديناور» و«فريدريش ايبرت»، منظمات المجتمع المدني في فنزويلا بالمال، وتأهيلها للكفاح ضد الحكومة. وتقول إن ما بين 40 و50 مليون دولار سنوياً، تتدفق الجمهورية البوليفارية.
السؤال الذي يطرحه محور النقاش في مجلة «غيهايم»، هو أن إرسال الولايات المتحدة لعشرين ألف جندي أميركي مدججين بالسلاح إلى هايتي، بذريعة إغاثة المنكوبين من الزلزال في كانون الثاني الماضي، هل يهدف إلى تطويق دول «ألبا»، بدءاً بكوبا، ولا سيما أن هايتي تقع على الساحل الغربي للجزيرة الشيوعية.


الصحف الأميركيّة: معارضة لا انقلاب

الصحافة في أميركا اللاتينية الخاضعة لهيمنة الولايات المتحدة، قلّلت من شأن الأحداث في الإكوادور، حسبما لفت الصحافي الكندي جين غاي، ولم تشر إلى وقوع انقلاب، بل إلى معارضة داخلية بسبب مشروع قانون إعادة تنظيم القطاع العام التقشفي، الذي ينص على قطع عدد من مكتسبات الشرطة والجيش المالية ويطيل مدة الترقي الآلي من 4 إلى 7 سنوات. لكن الرئيس رفائيل كوريا يصرّ على أن «محاولة انقلاب حصلت»، حسبما نقلت عنه صحيفة «دياريو لاس. أميركا» التي تصدر في ميامي. الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي ذاق طعم مرارة الانقلابات المدعومة أميركياً، اتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء التمرد، رافضاً القول إنها انتفاضة عفوية. فالرئيس اليساري السائر «أنتي أميركا»، كان حريصاً على الاتصال بنحو متواصل مع نظيره الإكوادوري خلال محنته. ففي مقابلة مع قناة «تيليسور»، أعلن قائد الثورة البوليفارية، أن كوريا في خطر، ملقياً بالمسؤولية على اليمين المتطرف.