بول الأشقريُعقد مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي السادس في شهر نيسان المقبل، وذلك بعد تأجيلين متتاليَين عامي 2003 و2009، وبعد انقطاع دام 13 سنة منذ عقد مؤتمره الأخير عام 1997. أُعلن الموعد ووُزّعَت «الوثيقة التوجيهية» يوم الاثنين الماضي، بعد تمديد اتفاق التعاون بين كوبا وفنزويلا عشر سنوات جديدة. وتسلم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز نسخة عن الوثيقة، وقد وُضعت أيضاً لدى الزعيم فيديل كاسترو باعتباره لا يزال يشغل منصب الأمين العام للحزب. وتحمل الوثيقة عنوان «مشروع التوجيهات للسياسة الاقتصادية والاجتماعية»، في تأكيد للهدف الحقيقي المرسوم للمؤتمر ولعمل الحزب الشيوعي في الفترة المقبلة. وقد أشار الرئيس راوول كاسترو إلى «نواياه الرأسمالية»، قائلاً إن المؤتمر «سيركز اهتمامه على معالجة مشاكل الاقتصاد، وعلى القرارات الأساسية لتحديث النموذج الاقتصادي الكوبي. إضافةً إلى ذلك، سيقرّ تأقلم الحزب والثورة مع السياسة الاقتصادية والاجتماعية».
واختيرت لموعد الانعقاد، مناسبة مرور خمسين سنة على الهجوم الفاشل على خليج الخنازير، حيث هُزم جيش من المرتزقة الذي رعته وواكبته ودربته وسلّحته الولايات المتحدة. إلا أن هذا الموعد المهيب يهدف أيضاً إلى تأطير حجم التغييرات المطلوبة لتطبيع عودة الجزيرة الشيوعية إلى ملعب الاقتصاد العالمي. وتسارع هذا المسار منذ شهرين، عند إعلان صرف نصف مليون مواطن من القطاع العام، وتلاه تشريع استحداث 178 مهنة وخدمة جديدة لم تكن ملحوظة أو عائدة إلى الدولة. والآن، ستكتمل العدة الفكرية والتنظيمية في المؤتمر، المرجعية العليا للثورة الكوبية ولحزبها الوحيد.
بالتأكيد، يؤكد النص أن هذا «الانفتاح» مستقى من الاشتراكية، «الوحيدة القادرة على تخطي الصعاب والحفاظ على مكتسبات الثورة». جزم آخر يرد في النص على اعتبار أنّه «في عملية تأقلم النموذج، ستُعطى الأولوية للتخطيط لا للسوق».
في الواقع، بعد إقرار قانون ضرائبي جديد يرحم المؤسسات الصغيرة ويخفض سعر المحروقات للنشاط الاقتصادي، ويشرّع نمو العمل الفردي في مقابل ضريبة مقطوعة مقدارها 10 في المئة على الأرباح، ينتقل الإصلاح الـ«راوولي» الآن إلى المستوى الـ «ماكرو ـــــ اقتصادي». مستوى يهدف إلى توسيع القطاع الخاص والانفتاح على رأس المال الأجنبي واحترام موجبات العقود ودفع مستحقات الدين الخارجي والوصول إلى الوحدة النقدية، وهي المهمة الأصعب، لكن الحتمية إذا كانت كوبا راغبة في العودة إلى «الاقتصاد الواقعي». جميعها إصلاحات تشجّع مجالات العمل غير الحكومية ورفع الإنتاجية كمقياس حاسم لتقويم العاملين في القطاع العام، في محاولة لتحريك الاقتصاد الكوبي. وإذا كان من المبكر الجزم بمدى نجاح الخطة المقترحة من فشلها، فمن المثير ملاحظة كيف توصِّف الوثيقة الوضع المتوقع على الاقتصاد للمدى الطويل من «إنشاء نظام مؤسسات قوية ومنتظمة، وتقليص عجز ميزان المدفوعات وتقوية موارد الصادرات وخفض الإيرادات أو استبدالها كمقدمة للانتقال إلى مرحلة أعلى من التنمية».
وفي السياق، تذكر الوثيقة، في سابقة تاريخية، تحرير السوق العقارية وإلغاء دفتر التقنين («لا ليبريتا») المعمول به منذ عام 1963 كرد على العقوبات الاقتصادية الأميركية، وهو الدفتر الذي يؤمن لحامله حصصاً غذائية. ويلفت المراقبون إلى أن رمزية المؤتمر تكمن أيضاً في كون أكثرية الجيل، الذي قام بالثورة ولا يزال على قيد الحياة، سيحضر على الأرجح مؤتمره الأخير، فيما تزداد المسافة كل يوم بين الوجهة القائمة في الجزيرة، وبين المعتقدات التي كانت تُعدّ حتى الأمس القريب، من المقدسات أو من المحرمات.