بكين «تتبضّع» الديون السياديّة للدول الغربية
باريس ــ بسّام الطيارة
في خضم زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو الأوروبية، التي شملت فرنسا والبرتغال، حذر دبلوماسي صيني رفيع المستوى المجموعة الأوروبية من حضور مراسم تسليم جائزة نوبل للسلام التي منحت للمنشق الصيني ليو شياو باو، مشيراً إلى أن أي دعم للمعارض الصيني «إهانة للنظام القضائي» في بلاده. ووصف خطوة تكريم شياو باو بأنها «خطأ فاحش»، مستعيداً تعبير نائب وزير الخارجية الصيني تسي تيا نكاي، أحد أبرز المفاوضين في مجموعة العشرين التي تستعد لقمّة في ١٢ الشهر المقبل. والتحذير الصيني موجّه إلى كبار المسؤولين الأوروبيين، مع التلويح بمقاطعة أيّ مسؤول يحضر الاحتفال لتكريم من تصفه بكين بأنه «المجرم الذي يقضي عقوبة ١١ سنة في السجن، لإدانته بالتخريب ولدوره في حملة المطالبة بالديموقراطية وإنهاء سيطرة الحزب الشيوعي على السلطة».
بالطبع، تستعمل بكين «العصا والجزرة» في تعاملها مع الغرب، تماماً كما فعل معها الغرب لعقود طويلة؛ فمباشرة بعد التصريحات التحذيرية التي استنفرت عدداً من الجمعيات والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمتحمسين لمنح جائزة نوبل لهذه الشخصيّة الصينية، استهل هو جينتاو زيارة للبرتغال، المحطة الثانية في جولته الأوروبية، بـ«عرض تعاون سخيّ» مع بلد يأمل الكثير من التنين الأصفر، وخصوصاً شراء «بعض ديونه السيادية» للتخفيف من ارتباطه بالمضاربات في الأسواق المالية العالمية على اقتصاده، كما تأمل الحكومة البرتغالية توقيع اتفاقيات تجارية تبث بعض الروح في اقتصادها «شبه المنهار» الذي يعتمد فقط على المساعدات الأوروبية. ومن المنتظر أن يوقع جينتاو بعض الاتفاقات مع رئيس الوزراء البرتغالي جوزيه سوكراتس في مجالات الطاقة المتجددة والتجارة والسياحة.

وصلت المساعدات الصينية لليونان إلى ٦ مليارات يورو في مجالات عديدة
وكان الرئيس البرتغالي كافاكو سيلفا قد صرح عقب لقائه نظيره الصيني «إن الصين تنظر باهتمام إلى فرص الاستثمار في البرتغال»، في صدى لتصريح من مصادر مع الوفد الصيني المرافق ذكرت أن «الصين مستمرة بالتزاماتها شراء السندات الأوروبية»، قبل أن يضيف إنها «مستعدة لتقديم مساعدة للبرتغال»، التي تعاني من أزمة مالية خانقة.
ورأت نائبة وزير الخارجية الصينية فو بينغ أن «السندات الأوروبية هي خيار استثماري ثابت». واستطردت «إننا نقلق عندما يواجه أصدقاؤنا صعوبات».
ويأتي هذا العرض السخي بعد عرض في نهاية الشهر الماضي بـ«شراء الديون اليونانية» للتخفيف من أعبائها في منطقة اليورو. وتبدو استراتيجية بكين واضحة تجاه المجموعة الأوروبية، فهي تستعمل أدواتها المالية لأهداف توسع اقتصادها وكسب نقاط جديدة، إلا أنها أيضاً تسعى وراء أهداف سياسية لا يمكن أن تخفى وراء تصريحات «المبادرات الحسنة». فبعد اليونان، التي تعدّ «الحلقة الضعيفة في الاقتصاد الأوروبي»، ها هي البرتغال الحلقة التالية في مسلسل محاصرة نقاط الضعف الأوروبية الاقتصادية والسياسية.
وكانت البرتغال حتى سنتين ماضيتين مدخل أوروبا إلى منطقة الدول الناطقة باللغة البرتغالية، أي البرازيل ومنها دول أميركا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية التي كانت مستعمرات برتغالية سابقة، وها هي لشبونة تعرض اليوم على بكين، التي تربطها معها اتفاقية شراكة استراتيجية منذ عام ٢٠٠٥، أن «تصبح أرضية لوجستية لانطلاق الصين نحو أسواق أوروبا وأسواق البلدان الناطقة باللغة البرتغالية»، حسب قول الرئيس كافاكو سيلفا.
سياسياً، باتت بكين تدرك أن الدول الأوروبية «الصغيرة» يمكنها أن تؤدي دوراً كبيراً ضمن الاتحاد الأوروبي، إذ إنه بغض النظر عن ثقلها الاقتصادي أو السياسي، إلا أن صوتها يوازي صوت الدول الكبرى في الملفات السياسية المهمة ومن هنا التشديد على «مساعدة الدول الصغيرة المتعثرة اقتصادياً» في غرب الاتحاد وفي شرقه، حيث وصلت المساعدات الصينية لليونان إلى ٦ مليارات يورو في مجالات عديدة بعد جولة سابقة لرئيس الوزراء الصيني وين جياو باو في الشهر الماضي.
جولات الرسميين الصينيين باتت توصف في الغرب بأنها «جولات تبضع»، لا تقتصر فقط على شراء السندات والاستثمارات في المشاريع الكبرى، بل أيضاً «شراء صمت أوروبا» في مسائل حقوق الإنسان، وهذا لا يقتصر على الدول الصغيرة.

تضاعف مستوى التبادل التجاري بين فرنسا والصين إلى حدود ٨٠ مليار يورو سنوياً
ففي محطته الفرنسية، التي جاءت على نحو «زيارة دولة»، أجرى جينتاو محادثات مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل أن يوقع سلسلة «عقود ضخمة» قدرتها المصادر بـ ٢٠ مليار يورو، رغم أن الإعلان عن الزيارة شدد على التشاور قبل تسلّم باريس رئاسة قمة مجموعة العشرين، حيث أكدت مصادر في الإليزيه أن الرئيس الصيني «سيعمل من أجل ضمان نجاح الرئاسة الفرنسية» المقبلة للمجموعة.
في مقابل هذه «المشتريات والوعود والاتفاقيات التجارية»، التي يمكن أن تضاعف مستوى التبادل التجاري بين البلدين ليصبح بحدود الـ ٨٠ مليار يورو سنوياً، فإن وزيرة صينية مرافقة للوفد أكدت أن المشاورات «لم تتطرق إلى مسألة حقوق الإنسان إلا باقتضاب»، فيما رأت أن مصير المنشقّ الصيني الحائز جائزة نوبل للسلام «ليس موضوعاً يبحث بين البلدين».
بدوره، لم يقنع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منتقديه بقوله «لقد تحدثنا بكل المواضيع»، وخصوصاً أنه كان قد «شرح» للصحافيين عن «الفرق بين الفرنسيين والصينيين في ما يتعلق بحقوق الإنسان»، قبل أن يستطرد أن «فرنسا تبغي السير قدماً بكل الملفات»، مشيراً إلى أن السؤال هو «هل نريد أن تتقدم الأمور في الصين أم لا؟»، قبل أن ينهي قائلاً «عندنا قيم علينا أن ندافع عنها، ولكن مع احترام شركائنا وتفهم حضارتهم المختلفة». ويوافق عدد من المراقبين ساركوزي بأن الصين اليوم باتت في موقع يصعب جداً انتقادها مباشرة والتدخل في شؤونها كما كان يحدث سابقاً. ومن هنا، فإن التعويل سيكون على الجمعيات الإنسانية الناشطة، التي باتت تحتل حيزاً كبيراً في الدبلوماسية الفرنسية والغربية، لتقول ما يعجز الرسميون عن قوله مع الأقوياء.


الثالثة في صندوق النقدوقد جرى نقل ٦ في المئة من حقوق التصويت من الدول «المتقدمة» إلى الدول «ذات الاقتصادات الناشئة» مثل الصين والهند والبرازيل. في ظل هذه التعديلات، باتت الصين تحتل المركز الثالث في قوة التصويت (٦.٣٩ في المئة) بعد الولايات المتحدة (١٧.٤٣ في المئة) واليابان (٦.٤٧ في المئة)، متخطية ألمانيا (٥.٥٩ في المئة) وفرنسا وبريطانيا (٤.٢٣ في المئة).
وباتت قائمة الدول العشرين الأولى تعكس واقع الاقتصاد العالمي والدور السياسي المنوط بها، ويدعم دورها في صياغة التوجهات العامة.
وشهدت القائمة وصول الهند إلى المرتبة الثامنة، تليها روسيا ثم البرازيل، بينما احتلت إسبانيا المرتبة ١٣. ودخلت تركيا للمرة الأولى في المرتبة الـ٢٠. وقد لوحظ تراجع موقع السعودية إلى المرتبة ١٢.