أنقرة ترى في المنظومة وسيلة لمنع ضرب إيران أنقرة ــ عائشة كربات
مع اقتراب موعد قمة حلف شماليّ الأطلسي المقبلة، التي ستعقد في العاصمة البرتغالية لشبونة في 19 و20 من تشرين الثاني الحالي، تجد تركيا نفسها في وضع دقيق مع حلفائها في الأطلسي، وتحديداً الولايات المتحدة. هذا الوضع الحساس والدقيق مردّه قضية نشر نظام الدرع الصاروخية الدفاعي على الأراضي التركية.
لا تريد أنقرة أن تقول «لا» لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكنّها، قبل كلّ شيء، تريد أن تكون متأكدة من أنّ المشروع لن يحمل أيّ آثار سلبية على علاقاتها التي تحسنت مع جيرانها، وتحديداً إيران وروسيا.

طلبت أنقرة عدم ذكر إيران على أنها خطر رئيسي يتهدد دول الحلف الأطلسي
مقابل هذا القلق التركي، يبرز رأي لبعض الخبراء، يؤكدون فيه أنّ الدرع هي الوسيلة الوحيدة لمنع الولايات المتحدة أو إسرائيل من شنّ حرب على حليف تركيا، إيران.
لكن لأنقرة بعض الشروط للموافقة على ما يطلبه منها حلفاؤها. وكما يقول وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، فإنّ تركيا «ليست خائفة من أن تكون وحدها إذا لم تتحقق مطالبها المحقة».
أحد المطالب التركية هو عدم تحديد إيران كالخطر الرئيسي الذي يهدد أمن حلفائها في «ملف الاستراتيجية الجديدة للأطلسي»، الذي سينشر خلال القمة. ووفق أنقرة، فإنّه يجب تبرير نشر الدرع الصاروخية باستخدام عبارات عامة من دون تحديد دولة معينة.
ونقلت وسائل الإعلام التركية أخيراً عن مصادر مطلعة قولها إنّ الحجج التركية بدت منطقية للسلطات الأميركية. لكن مستوى التفاهم الذي يسمح باستمرار المفاوضات بين الطرفين ليس كافياً لمعرفة كيف سيبدو الاتفاق النهائي حين يحين موعد القمة بعد أسابيع. وتقول المصادر إنّه «حتى إن لم يُشَر رسمياً إلى إيران في أي ملف مكتوب يصدر عن المجتمعين في لشبونة، فسيقوم المسؤولون الأميركيون بفعل ذلك شفهياً، من خلال التصريحات الإعلامية خلال القمة، كما فعلوا مرات عدّة في السابق».
وقلق تركيا ليس نابعاً فقط من خوفها على علاقاتها مع جيرانها، لكنّها تريد أن يتمكن الأعضاء الثمانية والعشرون في الحلف من مناقشة المشروع والاستفادة من الحماية التي يوفرها.
وأخبر الجانب التركي الولايات المتحدة أخيراً أنّهم يستطيعون إعطاء الضوء الأخضر لنظام الدرع المضادة للصواريخ، «إذا قاد الأطلسي النظام، وكان يغطي كلّ الأراضي التابعة لأعضاء الحلف ومبرمج بطريقة تتيح توفير الضرورات الأمنية لكلّ الأعضاء».
ويقول الأستاذ المساعد في «جامعة بيلكنت» في أنقرة طارق أوغزلو، لـ«الأخبار»، إنّه يجب تحقيق بعض الشروط التركية المسبقة للموافقة على المشروع كاملاً. ويحدد هذه الشروط بأربعة: أولاً، يجب عدم ذكر إيران على أنها خطر رئيسي يتهدد الحلف ودوله. ثانياً، يجب مشاركة الأعضاء جميعهم بتكاليف المشروع بالتساوي. ثالثاً، يجب أن يحمي النظام، في حال تشغيله، كلّ الاراضي التركية. رابعاً، يجب أن يبذل الأطلسي كلّ ما في وسعه لضمان عدم معارضة روسيا لهذا المشروع، بل أكثر من ذلك، يجب محاولة الحصول على تعاونها الكامل.
وأشارت وسائل الإعلام التركية إلى أنّ أنقرة، إلى جانب ترددها، تسعى أيضاً إلى الحصول على طمأنات من الولايات المتحدة في ما يتعلق بإسرائيل. إذ سألت تركيا مسؤولين أميركيين عن إمكان وصول دول من خارج الحلف إلى معلومات استخبارية قد تجمعها أجهزة الاستشعار الخاصة بالدرع. وردت السلطات الأميركية بأنّ المعلومات ستكون خارج متناول الدول غير المنضوية في الحلف، ومن ضمنها إسرائيل.
كذلك طلبت تركيا المشاركة في صناعة القرار والوصول المباشر إلى المعلومات المتعلقة بأي تهديد صاروخي يجمعها أي جهاز للاستشعار ينشر من ضمن المشروع. وبالمبدأ، وافقت واشنطن على إطلاع تركيا المباشر على المعلومات، لكن لم يتفق بعد على طريقة العمل لتحقيق ذلك.

تريد تركيا وصولها المباشر إلى كلّ معلومات الدرع ومنعها عن إسرائيل
ووفق أوغزلو، فإنّ أيّ أزمة محتملة بين تركيا وأعضاء آخرين من الحلف، في ما يتعلق بالدرع الصاروخية، ستشجع على الأرجح كلّ من كان يقول في الفترة الأخيرة إنّ هناك تغيّراً في سياسة تركيا الخارجية، وإنّها أشاحت بوجهها عن الغرب. وشدد على أنّ تقويض المشروع سيكون ذا مخاطر كثيرة على تركيا وحلفائها. وأضاف: «هذا سيعزز الشكوك في التوجهات التركية الجديدة، وكذلك سيفشل الحلف في حماية نفسه من مخاطر انتشار التقنية الصاروخية البالستية».
ويرى أوغوزلو أنّه مع اقتراب موعد عقد القمة، ستزيد تركيا وأعضاء الأطلسي من جهودهم للتوصل إلى توافق. لكن وزير الدفاع التركي وجدي غونول، ونظيره الأميركي روبرت غيتس ينفيان ممارسة أي ضغوط من واشنطن على أنقرة للموافقة على بعض الشروط. وقال الوزيران، خلال مشاركتهما في جلسة عمل في واشنطن الأسبوع الماضي، إنّ المحادثات المتعلقة بالدرع الصاورخية تستمر وفق الثقة المتبادلة والحوار بين الحلفاء. وأضاف غيتس أنّه «على عكس بعض التقارير الصحافية، لم نضغط على تركيا للمساهمة. لكنّنا ننتظر من تركيا أن تساند تبنّي الأطلسي في قمة لشبونة للقدرات الدفاعية الصاروخية الإقليمية».
من جهته، يقول الأستاذ حسن كوني، من الجامعة الثقافية في إسطنبول، لـ«الاخبار»، إنّه يجب على تركيا أن تجيب بـ«نعم» على الدرع الصاروخية الدفاعية؛ لأنّها الوسيلة الوحيدة لمنع شنّ حرب مستقبلية على إيران. ويشدد على أنّ «أوباما يعرف جيداً أنّ الدرع الدفاعية غير ذات أهمية، وهي مطلب من المحافظين الجدد لحماية إسرائيل. وفي حال خسارته الانتخابات النصفية، ستزيد قوة المحافظين وسيعودون إلى السلطة. إذا نجحوا في ذلك، فسيشنون حرباً على إيران. لذلك، لإنقاذ العالم، يجب على تركيا أن تقول «نعم» للمشروع».


«لم نعد في الحرب الباردة»