تُقدّر الكلفة الوسطية لكل واحد غيغابايت عبر الهاتف المحمول في لبنان، بنحو 3 دولارات (153 ألف ليرة وفق سعر الصرف الرائج). وهو ما يجعل لبنان ضمن مجموعة الأغلى في العالم. ولهذا الأمر انعكاسات سلبية على الأفراد والشركات سواء في القدرة على التواصل والوصول إلى المعلومات، ولا سيما أن عدداً كبيراً من اللبنانيين يلجؤون اليوم إلى العمل الحرّ مع شركات خارج لبنان من أجل تأمين مداخيل بالعملة الأجنبية تقيهم شرّ الأزمة. بالنسبة إلى الأفراد، وفي ظل ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة، يؤمّن الهاتف المحمول، إنترنتاً سريعاً نسبياً، وطوال النهار. لكن الكلفة العالية، تصعّب فرص العمل والموارد التعليمية والخدمات الاجتماعية. وهذا بدوره، يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية ونقص في الوصول إلى المعلومات والفرص، ما يضرّ في النهاية بالاقتصاد الكلي. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الكثير من الناس في لبنان على وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل والبقاء على اتصال، ما يجعلها أداة حيوية للتواصل.

انقر على الصورة لتكبيرها

بالنسبة إلى الشركات، فإن الثمن المرتفع لهذه الخدمة، يضعف قدراتهم التنافسية. إذ تحتاج الشركات في لبنان إلى الوصول إلى الإنترنت الموثوق به وبأسعار معقولة حتى تتمكن من التواصل مع الزبائن والمورّدين، والبحث عن منتجات وخدمات جديدة، والترويج لأعمالهم عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، لهذا الأمر انعكاس سلبي على الاستثمار الأجنبي، كونه يجعل العمل في لبنان مكلفاً للشركات الدولية.
للكلفة العالية تأثير غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض والشركات الصغيرة. وقد لا تمتلك هذه المجموعات الوسائل اللازمة لتحمل الكلفة العالية لبيانات الهاتف المحمول، والتي تحدّ من وصولها إلى المعلومات والاتصالات، ما يفاقم عدم المساواة الاقتصادية.
وفي بلاد تعتاش على أموال المهاجرين والسياحة، فإن كلفة البيانات المرتفعة لها تأثير سلبي على ما تبقى من سياحة. فالسياح يعتمدون على بيانات الهاتف المحمول للتنقل والتواصل والبقاء على اتصال أثناء سفرهم، ما يجعل الأكلاف المرتفعة في لبنان أقل جاذبية كوجهة سياحية. ويؤدي ذلك إلى خسارة إيرادات الدولة، ويمكن أن يضرّ أيضاً بالاقتصاد من خلال الحد من فرص العمل في قطاع السياحة.
جانب آخر يجب مراعاته، وهو أن الأكلاف المرتفعة للإنترنت، تؤثر أيضاً على جهود الرقمنة لأنها تعيق الشركات الناشئة ورواد الأعمال والشركات الصغيرة من الوصول إلى الأدوات والموارد الرقمية التي يحتاجونها للابتكار والنمو. ويحد هذا من نموّ الاقتصاد الرقمي وإمكانية توفير فرص عمل جديدة ومستدامة في قطاع التكنولوجيا.
وهناك تأثير سلبي على قطاع التعليم. فمع ظهور التعليم عن بعد خلال فترة الجائحة، أو حالياً بسبب أسعار المحروقات المرتفعة، لا قدرة للأساتذة والطلاب على الحضور يومياً. ويحتاج هؤلاء إلى الوصول إلى خدمة جيدة وبأسعار معقولة حتى يتمكّنوا من الوصول إلى الموارد والمشاركة في فصول الدراسة الافتراضية. وهذا يحدّ من فرصهم التعليمية ويعيق تطوير قوى عاملة جيدة التعليم، وهو أمر ضروري لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
في الواقع، الإنترنت ليست خدمة كمالية يمكن للحكومات اقتناص الإيرادات من شعبها عبر تأمينها. فهي ليست التبغ مثلاً. وكلما جرى تطوير البنية التحتية الخاصة بها وخفض سعرها، كلما انعكس الأمر إيجاباً على الاقتصاد الكلّي.