نشرت «الدوليّة للمعلومات» إحصاءات عن هجرة اللبنانيين إلى الخارج، مفادُها بأنه خلال السنوات الأربع الماضية هاجر من لبنان نحو 195 ألف شخص، 40% منهم هاجروا في السنة الأخيرة لغاية منتصف تشرين الثاني 2021، بينما 34% منهم هاجروا في السنة التي سبقت انتشار جائحة كورونا.

في الواقع أن هذه المعطيات الرقمية المأخوذة من الحركة المسجّلة لدى الأمن العام اللبناني، لا تعكس حقيقة الهجرة بشكل واضح، لأن الأرقام الأصلية ليست واضحة ولا تميّز بوضوح بين اللبنانيين الحاملي الجنسيات وطرق استخدام الباسبورات للدخول والخروج، ومن هم الذين يعودون بشكل منتظم لكنهم يُعدّون مهاجرين، وما هي فترة الغياب اللازمة لاعتبار هؤلاء مقيمين في لبنان أو في الخارج... ثمّة الكثير من المعطيات الناقصة في هذا المجال، إلا أن الأكيد والثابت أن هناك هجرة واضحة للعيان وبأعداد كبيرة، وهذه الأرقام ليست سوى مؤشّر إلى وجودها وليست مؤشّراً إلى حقيقتها الفعلية.
الهجرة ستكون واحدة من أكبر المشاكل التي يواجهها الاقتصاد اللبناني واحتمالات نهوضه بعد الانهيار والغرق بلا قعر منذ ثلاث سنوات لغاية اليوم. فهذه الهجرة تتركّز في قطاعات ذات خبرة وكفاءة، مثل القطاع الصحي سواء لجهة الأطباء الماهرين ذوي الخبرات الواسعة، أو الممرضين الذين هاجر منهم نحو 2800 ممرض لغاية اليوم. أيضاً هناك هجرة في قطاع الهندسة، فالمهندسون الذين تتوافر لديهم فرص عمل في الخارج لا يتردّدون في توقيع عقود تقيهم شرّ الانزلاق إلى الفقر أو الفقر المدقع المتعدّد الأبعاد. أيضاً، يحصل الكثيرون من موظفي المصارف من ذوي الكفاءات في مجال الوساطة المالية والتكنولوجيا، ودراسة المخاطر وسائر الأعمال التقنية التي تتطلب مهارات عالية، على فرص عمل في الخارج أيضاً وهم يهجرون القطاع الذي كان يتفاخر مالكوه بأنهم الأكثر ربحية والأكثر سطوة ونفوذاً والأكثر توظيفاً... لكنّ القطاع فقد أكثر من 4000 موظف لغاية الآن ويُتوقع أن يفقد المزيد أيضاً ومعظمهم سيتجهون إلى الخارج حيث تتوافر فرص العمل.
وفي مقابل الهجرة، سيحصل لبنان من المهاجرين على تحويلاتهم إلى أهاليهم وأقاربهم. هذه التحويلات لا تمثّل سوى جزء بسيط من القيمة المضافة التي سيقدّمها المهاجرون للبلدان التي تستقبلهم. هذه الخسارة لن يستطيع لبنان تعويضها سريعاً، وأحد أسوأ جوانبها أنها تعزّز استمرارية النموذج المفلس الذي يعتمد على التحويلات الخارجية من أجل إنفاقها في الداخل.