النظام الفاشل في لبنان أدّى إلى دين عام بقيمة 40 مليار دولار، وعجز سنوي في المالية العامة بقيمة 1.8 مليار دولار، وجفاف هائل في مخزون العملات الأجنبية، وارتفاع في كلفة الكهرباء وتقنين يصل إلى 20 ساعة يومياً وتلوّث. هذه هي المعطيات الصالحة كمدخل للحديث عن أهمية الطاقة النظيفة في المرحلة الآتية بحسب ورقة أعدّها مدير «منظمة الطاقة المتجدّدة» روني كرم. خلاصة الورقة أن هناك ضرورة لتغيير النموذج الطاقوي للبنان عبر الاعتماد أكثر على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج 50% من حاجات لبنان في عام 2030 وتوفير نحو 36.1 مليار دولار

يستورد لبنان 3.4 مليارات دولار من الوقود المخصّص لإنتاج الكهرباء. هذا المبلغ ينخفض ويرتفع تبعاً لمجموعة عوامل متغيّرة أهمها أسعار النفط العالمية والقدرات المحلية على الإنتاج والاستهلاك. طبعاً، الأزمة كان لها أثر واضح على هذا الأمر. في السنة الماضية كانت أسعار المشتقات النفطية مدعومة ما أدّى إلى مواصلة استيرادها بشكل شبه عادي. لكن مع تحرير أسعار هذه المشتقات على سعر الصرف الفعلي في السوق الحرّة، تقلّص استهلاكها ضمن حدود نسبية. بشكل عام، انخفض استيراد لبنان من الفيول أويل والمازوت اللازمين لمعامل الإنتاج في مؤسسة كهرباء لبنان، ولمولّدات الأحياء أيضاً. تُراوح التقديرات بين 30% و45%، إنما ليست هناك إحصاءات دقيقة عن الموضوع لغاية الآن. لكنّ هذا الانخفاض في الاستهلاك لم يظهر بوضوح في كلفة الاستيراد لأنه أتى في سياق ارتفاع أسعار النفط العالمية. ارتفاع الأسعار ألغى مفاعيل تقلّص الاستهلاك. بمعنى آخر، إن نسبة المشتقات النفطية من الاستيراد الإجمالي ما زالت مرتفعة، بل تتجاوز 25%.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

ولا تنحصر أكلاف هذا النوع من إنتاج الكهرباء بزيادة العجز في الميزان التجاري، بل تشمل أيضاً أكلافاً إضافية تتعلّق بالتلوّث. بحسب تقديرات «منظمة الطاقة المتجدّدة» (LFRE) فإن الوفيات المرتبطة بالتلوّث الناتج من استعمال الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء، تُقدّر في لبنان بنحو 2700 حالة وفاة سنوياً، وهو معدل مرتفع بين دول مماثلة مثل الأردن ومصر والبحرين والجزائر وفلسطين والسعودية وسواها.
انطلاقاً من هنا، يمكن القول إن التحوّل نحو الطاقة المتجدّدة أمر ضروري لتأمين استدامة الحصول على الطاقة الكهربائي، وتوفير الأموال على الخزينة وعلى الاقتصاد، وبالنسبة إلى الأمن الطاقوي أيضاً. لذا يقترح رئيس منظمة (LFRE) روني كرم، زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء في لبنان. في رأيه يمكن إنشاء مزارع طاقة شمسية في الهرمل، ورأس بعلبك وراشيا والبقاع الغربي، بالإضافة إلى مزارع إنتاج طاقة الرياح عبر استخدام الأملاك العامة. القدرة الإنتاجية المتاحة في لبنان لإنتاج الكهرباء من الشمس والرياح على الأملاك العامة تصل إلى 4700 ميغاوات من الشمس و1000 ميغاوات من الرياح، فضلاً عن القدرة على إعادة تأهيل المعامل المائية.
يمكن تأمين حاجات لبنان عبر زيادة القدرات الإنتاجية بواسطة الشمس والرياح والماء إلى 2000 ميغاواط


إذاً، التحدّي أن يكون لبنان قادراً وراغباً في هذا التحوّل. عندها يمكن تأمين حاجات لبنان عبر زيادة القدرات الإنتاجية بواسطة الشمس والرياح والماء إلى 2000 ميغاوات تضاف إلى 650 ميغاوات ستنتج من المعامل الحالية بعد تحويل جزء منها على الغاز وبقاء جزء آخر على الفيول والمازوت. من أصل الـ2000 ميغاوات، سيكون لدى لبنان 1700 ميغاوات منتجة من الشمس والرياح و300 ميغاوات منتجة بواسطة المياه المتدفّقة. بحسبة صغيرة، فإن الكلفة الإجمالية لهذا الاستثمار تبلغ 1.5 مليار دولار فيما تحتاج الشبكة إلى تأهيل بقيمة 300 مليون دولار.
ثمة من يحاجج بأنه لا مكان لمزارع الشمس والرياح، وبأنها غير مستقرّة على الشبكة وسواها من التعقيدات التي تُلقى بوجه الاعتماد أكثر على الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء. الواقع، أن هناك الكثير من المساحات التي يمكن استخدامها لأنها أملاك عامة، ولأنها أيضاً قريبة من الشبكة الأساسية. في لبنان نحو 2852 مدرسة يمكنها أن تؤمّن 450 ميغاوات على أسطحها. من بين هذه المدارس هناك 1236 مدرسة رسمية، و1617 مدرسة خاصة. في الهرمل ورأس بعلبك مساحات شاسعة من الأراضي المقفرة غير المستثمرة نهائياً وهي أملاك عامة.


يعتقد كرم، أنه بحلول عام 2025 يمكن أن يكون لدى لبنان 30% من حاجاته الكهربائية منتجة بواسطة الطاقة المتجددة، وأن ترتفع هذه النسبة إلى 50% بحلول 2030. وبالمقارنة مع الكلفة الحالية البالغة 3.5 مليارات دولار، فإن الكلفة ستصبح 1.5 مليار دولار إذا دمجت الحكومة اللبنانية خطتها لتحويل المعامل إلى الغاز مع الطاقة المتجددة بنسبة 5%، لكنها ستنخفض إلى مليار دولار سنوياً إذا دمجت هذه الخطة مع 37% طاقة متجددة. فإذا بلغ لبنان مرحلة الاعتماد على الطاقة المتجددة بنحو 50%، فإن الوفر بحلول 2030 سيكون 36.1 مليار دولار.
لا تُختصر القصّة بهذا الأمر. فالطقات المتجددة سهلة التمويل قياساً بآليات الإنتاج المستندة إلى الوقود الأحفوري. وستكون الكلفة أقلّ على الجميع، وخصوصاً لجهة الكلفة الصحية غير المباشرة المتأتية من التلوّث الذي يأتي من الإنتاج بواسطة الوقود الأحفوري.