يبلغ حجم سوق القهوة العالميّة نحو 104 مليارات دولار. البرازيل تحصد نحو نصف المحصول العالمي من زراعة حبوب البن المستخدمة في صنع القهوة، وتحتلّ المركز الأول في التّصدير. إيراداتها السنويّة من هذا المنتج تصل إلى 51.6 مليار دولار أو ما يساوي 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي. ورغم هذه السيطرة، إلّا أنّ الإنتاج البرازيلي مكشوف على مخاطرَ من نوعٍ آخر ومعه تنكشف أسعار القهوة على المخاطر نفسها؛ ففي الأسبوع الأخير من شهر تموز الماضي، تعرضت سهول البرازيل إلى موجةِ صقيع، وُصفت بأنّها الأقوى في البلد منذ 30 عاماً، وقد أطاحت بنحو 200 ألف هكتار مزروعة بالقهوة، أي ما يساوي 11% من المساحة الإجمالية المخصّصة لهذه الزراعة في البرازيل. وتأتي هذه الضّربة بعد انتشار جائحة كورونا، وارتفاع كلفة النقل والشحن والجفاف. انعكست كلّ هذه الضّربات ارتفاعاً في أسعار العقود الآجلة بنسبة 34%. فقد رأى المضاربون أنّ ضرباتٍ كهذه ستنعكس سلباً على إمدادات القهوة عالمياً متوقّعين ارتفاع أسعارها الفعلية، لذا راهنوا على هذه التّوقعات من أجل جمع الأرباح من المضاربات.

يُزرع البن في عددٍ محدودٍ من الدول التي تعدّ متوسطة الدّخل أو فقيرة. وفيها نحو 12.5 مليون مزرعة أكثر من 70% منها عبارة عن مزارع صغيرة، ويعمل فيها نحو 125 مليون عامل غالبيتهم من الأطفال. وبحسب منظّمة العمل الدّولية، فإن زراعة البن هي القطاع الذي يشهد أسوأ أشكال عمالة الأطفال وأكثرها شيوعاً.
وشجرة البن هي إستوائيّة لا تتحمّل درجات الحرارة المتدنيّة، ولا سيّما إذا انخفضت عن 5 درجات مئوية. أمّا في حال وصلت درجة الحرارة لتشكّل صقيعاً، أي ما بين -3 و-4 درجات مئوية، فقد يكون تأثيرها كارثياً على المحصول لأنّها تقتل البراعم والزهر. كما أنّ الصقيع يمكن أن يتسبّب بحروق أوراق هذه الشجرة ما قد يؤدي إلى تلفها بشكل نهائي.
لذا، فإنّه بعد موجة الصقيع التي ضربت الدول الأكثر إنتاجاً من محصول البن، فمن المحتمل أن تأخذ عمليّة تعافي دورة الإنتاج في البرازيل، سنواتٍ عديدة، لأنّ إعادة زراعة المناطق التي ضربتها موجة الصّقيع ليست سهلة. بذور شتلات البن الجديدة، يجب أن تُزرع بحلول أيّار أو حزيران على أبعد تقدير حتّى تكون النباتات جاهزة للنقل إلى الحقول في موسم الزراعة في شباط وآذار. كما أنّه حتى في العام التالي، لن يتمكن المزارعون من إعادة تشجير كامل ما خسروه من أشجار، لأنّ هذا الأمر يحتاج إلى تمويلٍ كبير. لذا، فمن المتوقّع أن يتطلّب إعادة التشجير بشكلٍ كاملٍ إلى ثلاث سنوات أو أكثر.
ويضاف إلى ذلك، أنّ البرازيل كانت تعاني أصلاً من موسم جفافٍ لم تشهد مثله في القرن الماضي. فقد انخفضت مستويات المياه في خزّانات كانتاريرا، التي تخدم نحو 7.5 ملايين شخص في مدينة ساو باولو، إلى أقلّ من عُشر سِعتها هذا العام. والمحصول المرتقب من البن، عليه أن يتعافى من أضرار موجة الصقيع، بالإضافة إلى الإجهاد الهائل للأشجار بعد الحصاد القياسي في العام الماضي، الذي تراوح بين 68 و69 مليون كيس (60 كيلوغراماً في كل كيس)، ومن الجفاف أيضاً الذي أدّى إلى تناقص محصول 2021 ليكون واحداً من أصغر المحاصيل في 10 سنوات ولم يجمع سوى 49-55 مليون كيس.
أما كورونا، فقد كان أثرها مرتبطاً أكثر في نقص الحاويات، لا سيما في قارتي أميركا. فمن بعد بداية الجائحة كان هناك عدد كبير من البواخر الآتية من آسيا إلى الأميركيتين حيث أفرغت حمولاتها من دون أن يكون لديها الإمكانيّة لإعادة الحاويات الفارغة إلى آسيا بسبب إجراءات الإقفال ما أدّى إلى نقصٍ في الحاويات التي تنقل البضائع ومنها حبوب البن.
انعكس كلّ ذلك ارتفاعاً في أسعار البن. فقد ارتفعت أسعار العقود الآجلة الأميركية بنسبة 34% بين 19 تموز و26 تموز الماضي، أي خلال أسبوعٍ واحد. إلّا أنّ السّعر عاد إلى الانخفاض بعد استيعاب الصدمة، وانخفض بين 26 تموز و18 آب بنسبة 12%، لكنّ مستوى الأسعار لا يزال أعلى من ما كان عليه قبل أزمة الصقيع التي ضربت البرازيل.