هل داتا الجمارك دقيقة؟ هل يمكن الاتّكال عليها من أجل قراءة الأرقام التي تنشرها باعتبارها تعبّر عن حقيقة الكمّيات المستوردة والمصدّرة وقيمها الفعلية؟ الإجابة تكمن في ما حصل قبل نحو أسبوعين عندما نشرت إدارة الجمارك - مصلحة المركز الآلي الجمركي، إحصاءات عام 2020 عن الاستيراد والتصدير، ثم جرى تعديلها خلال بضعة أيام. اللافت أن التعديل طاول أول شهرين من سنة 2020، وغالبية السلع المدعومة.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

شكلاً، أتت إحصاءات الجمارك لعام 2020 متأخّرة نحو ستة أشهر ما يجعلها غير نافعة إذا كان الهدف منها قراءة تطوّرات الأزمة ووتيرة تسارعها وانعكاساتها على النشاط الاقتصادي والاستهلاكي. أما في المضمون، فقد جرى تعديل أرقام الواردات والصادرات بشكل كبير جداً، إذ تضمّنت الإحصاءات أرقام الاستيراد والتصدير لعام 2020 على الشكل الآتي: استيراد بقيمة 14240 مليون دولار، وتصدير بقيمة 4458 مليون دولار، أي أن العجز في الميزان التجاري بلغ 9782 مليون دولار. لكن هذه الأرقام لم تدُم طويلاً، بل جرى تعديلها يوم الاثنين الماضي بشكل جذري لتصبح قيمة الاستيراد 11311 مليون دولار، وقيمة التصدير 3544 مليون دولار، أي أن العجز في الميزان التجاري بلغ 7767 مليون دولار.
إذاً، الفرق في العجز التجاري بلغ ملياري دولار، والفرق في الاستيراد بلغ 2929 مليون دولار، والفرق في التصدير 914 مليون دولار. فروقات كهذه، لا تشكّل عامل اطمئنان إلى الأرقام، ولا سيما إذا تبيّن أن الفرق في الاستيراد، على سبيل المثال، ناجم عن تصحيح أرقام استيراد شهرَي كانون الثاني 2020 وشباط 2020، أي أول شهرين من السنة. ففي النسخة الأخيرة من داتا الجمارك لعام 2020، تبيّن أن أرقام هذين الشهرين هي نصف ما كانت عليه في المرّة الأولى «بالتمام والكمال»، علماً بأن التعديل لم يشمل أرقام الأشهر الأخرى. واللافت أيضاً أن أرقام الاستيراد في شهري كانون الثاني وشباط (2020)، قبل تصحيحها، كانت أعلى من أرقام الاستيراد في الشهرين نفسهما في عام 2019، فضلاً عن أن شهر كانون الثاني 2020 وشباط 2020 سبقا إعلان لبنان التوقف عن سداد سندات اليوروبوندز.
بعد الاتصال بمصلحة المركز الآلي الجمركي، جاء الجواب بأن هناك «خطأ في الداتا»، وهذا الأمر مثير للشكوك. بمعنى آخر، قد يسهل القول إن هناك «خطأ في الداتا» أدّى إلى مضاعفة أرقام الاستيراد في شهري كانون الثاني وشباط 2020، لكن بما أن الأمر يتعلق بالأشهر الأولى من السنة التي نشرت أرقامها في منتصف عام 2020، وبما أنهما شهران يسبقان اتخاذ لبنان قرار التوقف عن السداد، وبالتالي فإن الاستيراد من أجل تخزين السلع أمر ممكن ومعقول طالما أن التجّار على دراية بأن وتيرة انهيار سعر الصرف ستتسارع في الأشهر التالية، يصبح الشكّ معقولاً بأن الأمر قد يتعدّى مسألة «خطأ في الداتا».
أياً يكن الحال، فإن الأرقام التي تنشرها مصلحة المركز الآلي الجمركي، هي تعبّر عن كل العمليات والبيانات التي ترِد إليها من المراكز الجمركية الحدودية، وبحسب المطّلعين على إدارة الجمارك، فإنه لم يسبق أن حصل هناك خطأ بهذا الحجم في تجميع البيانات وتصحيحها.
في المحصّلة، بات العجز التجاري، وفق الأرقام المعدّلة، يبلغ 7767 مليون دولار مقارنة مع عجز بقيمة 15508 ملايين دولار في 2019، أي بانخفاض نسبته 49.9%. لكن التغيّر الأساسي الذي طرأ على الاستيراد يكمن في السلع المدعومة. فقد انخفضت قيمة استيراد البنزين والمازوت والفيول والغاز والقمح والأدوية والمستلزمات الطبية من 5.93 مليار دولار في النسخة الأولى من أرقام الجمارك، إلى 3.25 مليار دولار في النسخة المنشورة حالياً على موقعهم الإلكتروني. وهذا الحساب لا يتضمن أرقام السلع الغذائية التي تقدّرها وزارة الاقتصاد بنحو 960 مليون دولار.
ما الذي تغيّر في استيراد السلع المدعومة؟
بالنسبة إلى البنزين، أظهرت الإحصاءات في النسخة الأولى استيراد ما قيمته 1331 مليون دولار، لكن بعد التعديل أصبحت 836 مليون دولار.
بالنسبة إلى المازوت، أظهرت الإحصاءات في النسخة الأولى استيراد ما قيمته 2180 مليون دولار، لكن بعد التعديل أصبحت 1668مليون دولار.
بالنسبة إلى الفيول، أظهرت الإحصاءات في النسخة الأولى استيراد ما قيمته 667 مليون دولار، لكن بعد التعديل أصبحت 493 مليون دولار.
بالنسبة إلى الغاز المنزلي، أظهرت الإحصاءات في النسخة الأولى استيراد ما قيمته 123.5 مليون دولار، لكن بعد التعديل أصبحت 113.5 مليون دولار.
بالنسبة إلى القمح، أظهرت الإحصاءات في النسخة الأولى استيراد ما قيمته 188.6 مليون دولار، لكن بعد التعديل أصبحت 148.4 مليون دولار.
بالنسبة إلى الأدوية وسائر المستلزمات الطبية، أظهرت النسخة الأولى استيراد ما قيمته 1440 مليون دولار، لكن بعد التعديل أصبحت 1184 مليون دولار.
التقاطع بين تصحيح الاستيراد لشهرين، وتصحيح استيراد السلع المدعومة، مثير للشبهات. فالدعم هو المعضلة الرئيسية المطروحة على النقاش اليوم.