حتى نهاية تشرين الثاني 2019، بلغت الإيرادات الضريبية 11,708 مليار ليرة لبنانية. وبالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2020، انخفضت تلك الإيرادات إلى 9,368 مليار ليرة ليس بسبب حالة الركود الحاد فحسب، بل أيضاً بسبب التدابير المتعلقة بجائحة فيروس كورونا، التي سمحت لدافعي الضرائب بتأجيل سداد الضرائب المستحقّة عليهم حتى منتصف عام 2021.

يعكس هذا التراجع، الأداء المتفاوت لمختلف الأدوات الضريبية. فقد انخفضت الإيرادات المتأتية من ضريبة الدخل بنسبة 20%، وهو ما يتّسق بوجه عام مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي. وانخفضت الإيرادات المتأتّية من الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 48.2% (من 3,135 مليار ليرة لبنانية إلى 1,624 مليار ليرة لبنانية)، ومن الجمارك والرسوم بنسبة 31% (من 1,685 مليار ليرة لبنانية إلى 1,163 مليار ليرة لبنانية).
الانخفاض الهائل في الجمارك وضريبة القيمة المضافة يعكس الانخفاض الضخم الذي شهدته الواردات منذ اندلاع الأزمة. ويُشير حجم تراجع إيرادات الضريبة على القيمة المضافة مقارنة مع تلك المتأتية من الجمارك إلى حدوث انخفاض أكبر في الجزء الذي تم تحصيله داخلياً، لأن الحكومة سمحت بالتأخّر في السداد. وفي حين ارتفعت الإيرادات الضريبية على عائدات الفوائد ارتفاعاً طفيفاً -فقد ارتفع المعدل المطبق إلى 10% لتعويض الهبوط في أسعار الفائدة. وانهارت الإيرادات الضريبية من أرباح الشركات (من 1,347 مليار ليرة بين كانون الثاني وتشرين الثاني 2019، إلى 660 مليار ليرة في 2020) بسبب الركود الحاد وتدابير تأجيل السداد، في حين انخفضت الإيرادات غير الضريبية بنسبة 7.9% (من 2,899 مليار ليرة إلى 2,670 مليار ليرة).
في النتيجة، شهد العجز (المالي) الأوّلي تدهوراً شديداً، من فائض ضئيل يُقدّر بنحو 352 مليار ليرة، إلى عجز قدره 1,374 مليار ليرة في نهاية تشرين الثاني 2020. وتشير تقديرات وزارة المالية إلى أن مدفوعات الفائدة بلغت نحو 2,488 مليار ليرة (بعدما كانت 7,487 مليار ليرة).
أما بالنسبة إلى أنماط الإنفاق، فقد شهدت نسبة الإنفاق على الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد زيادة كبيرة رغم انهيار الأجور الحقيقية نظراً إلى معدل التضخم المرتفع للغاية، الأمر الذي يشير إلى ضرورة إدخال تعديلات على الأجور في الأمد القريب.
نظراً للتقلبات الحالية الهائلة، يصعب تحديد البيانات المالية من حيث نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن نظراً لارتفاع معدلات التضخم عام 2020 أصبح من الواضح أنه ارتفع القاسم (Denominator) في معادلة نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً هائلاً (بالقيمة الاسمية)، في حين انخفضت الإيرادات الضريبية، وظلت النفقات ثابتة اسمياً بوجه عام (باستثناء مدفوعات الفوائد). وهذا يشير بالخلاصة إلى أن حصص النفقات والإيرادات من الناتج المحلي الإجمالي قد شهدت انخفاضاً حادّاً. وتشير التقديرات الأخيرة الصادرة عن وزارة المالية والبنك الدولي عام 2020 إلى أن النفقات انخفضت إلى 17.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع إجمالي الإيرادات إلى 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين وصل العجز الأولي إلى -3.6% من الناتج المحلي الإجمالي (بعدما بلغ +0.7% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019)، بينما وصل إجمالي العجز إلى -5.9% من الناتج المحلي الإجمالي (بعدما كان -10.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019). لكن يظل هذا وضعاً مؤقتاً. لأن بعض النفقات الحكومية ستشهد (جزئياً على الأقل) بعض التعديلات لتتوافق مع التضخّم، في حين لن يتغير العديد من عناصر الإيرادات الضريبية، ويرجح أن يرتفع العجز المالي في الأمد القريب في ظلّ غياب تعديلات السياسات العامة.

* النص كما ورد في الورقة البحثية يقارن الإيرادات بين تموز 2019 وتموز 2020 بينما النص الحالي يقارن بين ت2 2019 وت2 2020.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام