قبل بضعة أسابيع أقرّ مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سلف المستشفيات الاستثنائية للسنة العاشرة على التوالي. بحسب إحصاءات الصندوق، فإنّ المستشفيات حصلت بين عامي 2011 و2019 على 4838 مليار ليرة من ضمنها 603 مليارات ليرة في عام 2019. وبالتوازي مع هذا الأمر، بادرت إدارة الضمان إلى ممارسة سلوك لا يمكن تصنيفه إلا «شائناً» لأنه ينطوي على حرمان المضمونين من فواتير طبابتهم وأدويتهم المتراكمة منذ أشهر طويلة وعلى التمييز بين المضمونين الذين يعملون في شركات سدّدت اشتراكاتها للضمان، وبين أولئك الذين يعملون في شركات لم تسدّد اشتراكاتها للضمان.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

قوانين الضمان واضحة وهي لا تجيز تأجيل دفع فواتير المضمونين لأن أصحاب العمل تخلّفوا عن سداد ما يستحق عليهم. بمعنى آخر ليس هناك ربط بين التقديمات والاشتراكات. فالتقديمات للمضمونين تعدّ معقودة حكماً لأن قانون الضمان يفرض على أصحاب العمل اقتطاعها من رواتب الأجراء من دون أن يكون لهم حق الاعتراض، أي إن المضمون قام بواجباته تجاه الصندوق الذي يتوجّب عليه أن يدفع التقديمات وأن يلاحق أصحاب العمل المتخلفين عن السداد.
والمفارقة أن النظام المالي في الصندوق واضح تجاه سلف المستشفيات الاستثنائية. فهو يحدّد مراحل عقد النفقة كالآتي: عقد، تصفية، صرف، ودفع. لكن الضمان، بجميع مسؤوليه أقرّوا نظام سلف المستشفيات الذي كان يفترض أن يكون استثنائياً ولسنة واحدة للتخفيف من تراكم الفواتير غير المدفوعة للمستشفيات، إلا أنه سرعان ما تحوّل إلى أداة للزبائنية السياسية صارت هي القاعدة بعد اعتمادها للمرة العاشرة بدلاً من أن تكون استثناء لسنة واحدة.
بنتيجة ممارسات الضمان، الأولوية كانت دائماً للمستشفيات على المضمونين. إحصاءات الصندوق تحدّد هذه المعادلة بوضوح لا لبس فيه. ففي التقرير المالي الذي أُعدّ في تشرين الثاني 2019 تبيّن أن عدد فواتير الطبابة المتراكمة والعائدة للمضمونين لغاية نهاية 2018 بلغ 7.5 مليون تقدّر قيمتها بنحو 961 مليار ليرة، مقارنة مع فواتير مقدّرة للمستشفيات بعد احتساب صافي السلف الممنوحة والمصروفة فعلياً في ذلك الوقت، بقيمة 221.5 مليار ليرة.
إذاً، المقارنة بين سلف المستشفيات، وبين فواتير المضمونين، يكشف عن محاباة إدارة الضمان لرأس المال، أي المستشفيات، ومعاقبة الأجراء المضمونين الذين يصنّف غالبيتهم من أضعف فئات المجتمع. المسؤولون عن الصندوق هم نسخة من قوى السلطة وممثليها المتجمعين في سلطة الوصاية (وزير/ وزيرة العمل) وفي مجلس الإدارة، وأمانة السر، واللجنة الفنية. كلّهم يعملون في سبيل هذه السلطة التي عيّنتهم في مواقعهم. أما السلطة نفسها، فهي تحتاج إلى رأس المال لتقديم الخدمات لأتباعها. هناك حاجة دائماً لإجراء اتصال بأحد المستشفيات لاستقبال مريض أو للاتصال بإدارة الضمان بهدف ممارسة ضغط على مستشفى لاستقبال مريض أو خفض فاتورته أو إعفائه من قسم الأموال التي لا يغطيها الصندوق... ثمة سلسلة طويلة من الخدمات الزبائنية في هذا المجال، لكن لا شيء يشبه أن يكون الضمان مشابهاً لأصحاب المصارف، أي أن يمارس كابيتال كونترول استنسابياً وغير قانوني كالذي تمارسه إدارة الضمان اليوم بحجّة أن إيراداتها المالية تراجعت بسبب امتناع أصحاب العمل عن سداد الاشتراكات فضلاً عن أن الضمان لا يملك وسائل سوى ابتزاز الشركات بأجرائها. إنه سلوك شائن.