تنضمّ المنطقة العربية إلى لائحة المناطق المعرّضة للإجهاد الحراري ومخاطر ارتفاع درجة حرارة الأرض. ووفقاً لتقرير بعنوان «العمل في عالم أكثر احتراراً: تأثير الإجهاد الحراري على الإنتاجية والعمل اللائق» صادر عن «منظّمة العمل الدولية»، من المتوقّع أن تخسر هذه البلدان نحو 618 ألف وظيفة بدوام كامل في عام 2030، وأن تنخفض إنتاجيتها بنحو 1.1% في حال ارتفعت حرارة الأرض بنحو 1.5 درجة مئوية.لا يُعرف سوى القليل عن تطوّر المناخ في المنطقة العربية بالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم. ومع ذلك، تبيّن الدراسات المُتاحة أن متوسّط الحرارة السطحية ارتفع خلال القرن العشرين مصحوباً بزيادة عدد الأيّام الحارّة وانخفاض عدد أيام البرد. حالياً، يراوح متوسّط الحرارة في المنطقة خلال الصيف بين 40 و50 درجة مئوية، وبين 5 و15 درجة مئوية خلال الشتاء. ومن المتوقّع أن يستمرّ متوسّط الحرارة السنوي بالارتفاع بمعدّل 1.5 إلى 2.3 درجة مئوية حتى نهاية القرن الواحد والعشرين. طبعاً تتفاوت هذه المعدّلات بين بلد وآخر، وبالتالي نتائجها على فقدان الوظائف وقيمة الناتج المحلّي، بحيث تعدّ المناطق الساحلية أكثر تأثّراً بتغيرات المناخ بالمقارنة مع المناطق الداخلية الصحراوية التي ترتفع فيها نسبة الرطوبة، فيما ستسجّل البلدان التي تعتمد على قطاعي البناء والزراعة الخسائر الأكبر.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

من المتوقّع أن يصل عدد العاملين في البلدان العربية إلى نحو 60 مليون عامل بحلول عام 2030، وهو ما يشكّل 2% من مجمل عمّال العالم، على أن يتوزّع 62.3% منهم في قطاع الخدمات، في مقابل 14.3% في البناء ونحو 12.3% في الزراعة و11% في الصناعة، التي تعدّ القطاعات الأكثر عرضة لمخاطر التغيّر المناخي، خصوصاً أن طبيعة عملهم تجعلهم معرّضين لارتفاع درجات الحرارة سواء في العمل الزراعي أو في ورش البناء أو في المعامل الصناعية. إلى ذلك، تقدّر «منظّمة العمل الدولية» نوعية العمالة الضعيفة في البلدان العربية بنحو 37.4% من مجمل العمالة في عام 2017، وهي أكثر عرضة لمخاطر خسائر الوظائف، وبالتالي فقدان العاملين المزايا المرتبطة بالعمل اللائق ولا سيّما الحماية الاجتماعية، علماً أن البلدان غير الخليجية هي أكثر تأثّراً كونها تضم 34.4% من مجمل العمالة الضعيفة، في مقابل 3% في البلدان الخليجية، ونحو 42.7% من مجمل العمّال فيها يعيشون في فقر وسيكونون أقل قدرة على التعامل مع الآثار الصحّية الناجمة عن العمل في درجات حرارة مرتفعة.
تتفاوت التأثيرات على عدد الوظائف المُتاحة وقيمة الناتج المحلّي الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة بين بلد وآخر، وذلك تبعاً لتكوين العمالة فيه، وعلى الرغم من سيطرة قطاع الخدمات على 62.3% من مجمل العمالة وهو القطاع الأقل عرضة لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة، إلّا أن البلدان التي تعتمد على الزراعة والبناء ستكون أكثر عرضة لهذه المخاطر خصوصاً أن النسبة الأكبر من ساعات العمل المفقودة ستتركّز فيها فضلاً عن أن غالبية العاملين في هذه القطاعات هم مهاجرون ولا يتمتعون بقدرة تكيّف مرتفعة.
تعدّ الإمارات الأكثر تأثّراً إذ ستخسر نحو 164 ألف وظيفة بدوام كامل، أي نحو 2.6% من ساعات العمل بالمقارنة مع 1.8% من ساعات العمل المفقودة في عام 1995 ويعود ذلك إلى طغيان قطاع البناء فيها. فيما ستزيد ساعات العمل المفقودة بسبب ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من الضعف في كلّ من قطر التي سترتفع النسبة فيها من 2.3% إلى 5.3% بين عامي 1995 و2030 وهو ما يعادل 76 ألف وظيفة، والبحرين التي سترتفع نسبة ساعات العمل المفقودة فيها من 1.9% إلى 4.1% وهو ما يعادل نحو 32 ألف وظيفة، ومعظمها في قطاع البناء. أمّا اليمن فستخسر نحو 95 ألف وظيفة ومعظمها في قطاع الزراعة، وكذلك العراق التي ستخسر نحو 88 ألف وظيفة ومعظمها في الزراعة والبناء. في حين يعدّ كلّ من الأردن ولبنان الأقل تأثّراً، إذ سيخسر كلّ منهما نحو 2300 وظيفة بدوام كامل بغالبيتها في قطاعي الزراعة والبناء وبنسبة أقل في الصناعة.
أمّا في ما يتعلّق بمتوسّط الناتج المحلّي، فإن البلدان العربية ستفقد 1.1% من إنتاجيتها في عام 2030 بالمقارنة 0.5% في عام 1995. وتتفاوت النسبة بين البلدان، بحيث تعدّ قطر الأكثر تضرّراً إذ من المتوقّع أن تخسر 3.2% من ناتجها المحلي، تليها البحرين والإمارات بأكثر من 2% من ناتجها المحلّي، أمّا الأردن ولبنان وعمان فهي البلدان الأقل تأثّراً ولن تخسر أكثر من 0.2% من ناتجها المحلّي بحلول عام 2030 بسبب ارتقاع درجات الحرارة.