حركة التنقل، سواء بالنسبة إلى الأفراد أو السلع أو رأس المال أو المعلومات، مشروطة بعوامل عدّة؛ أبرزها ترابط الشبكات، فضلاً عن كثافة النقل وكفاءته وكلفته. وهو أمر غالباً ما يتمّ تجاهله. هذا النظام من الشبكات والعقد يخدم مساحة العالم بشكلٍ غير متساوٍ، فهو يعمل بطريقة تراكمية لمصلحة المناطق المجهّزة بالفعل.
خلال 20 عاماً، زادت أنشطة النقل والاتصالات العالمية بنسبة 150% كنتيجة لفورة التدفّقات. ومع ذلك، لا يتطلّب الأمر سوى حادثة بسيطة ــــ انقطاع كابل بحري، عاصفة، انفجار بركاني، صراع.... ــــ لإحداث شلل بكامل نظام النقل اللوجستي. إن قدرة الإنسان على اتقان العلاقة بين المسافة والوقت هي انتقائية للغاية وهرمية. يعتمد الترابط بين المناطق على بنية تحتية فعّالة وآمنة، إلّا أنها موزّعة بطريقة غير متساوية جغرافياً بين المناطق والبلدان، ما أدّى إلى نشوء مناطق استقطاب صلبة وقوية، وهي تُترجَم بظواهر متطرّفة من التكامل والاستبعاد.
حالياً، ثلاثة أقطاب فقط تستحوذ على 58% من الأنشطة اللوجستية العالمية وهي أميركا الشمالية وشرق آسيا وأوروبا الغربية. فيما أميركا اللاتينية وأفريقيا تقبعان على الهامش بحصّة 11% فقط من تدفّقات الأنشطة اللوجستية العالمية عبرهما. وأكثر من ذلك، 10 بلدان فقط تستحوذ على 67% من خدمات النقل العالمية، و20 بلداً على 81% منها. في حين أن بعض الأقطاب، مثل سنغافورة وهونغ كونغ والإمارات العربية، تتخصّص في وظائف إعادة التوزيع الإقليمية والقارية.
يلعب النقل البحري والجوّي، المسيّر وفق نظام من العقد والشبكات، دوراً رئيساً في حركة النقل العالمية.
حقّق النقل الجوّي قفزة هائلة. خلال 25 عاماً، تضاعف العدد السنوي للمسافرين جوّاً بنحو 3.6 مرّات ووصل عددهم إلى 3.7 مليارات مسافر في عام 2017، من خلال 3200 مطار ونحو 60 ألف خط جوّي (عادي أو سريع). ونظراً إلى هذه البيئة التنافسية للغاية، تنتظم شركات الطيران ضمن ثلاثة تحالفات دولية كبرى (Star Alliances، SkyTeam، وOneWorld)، وهو ما ضاعف إمكانيات التراسل والتواصل انطلاقاً من المحاور الكبرى الرئيسة (مثل رواسي بالنسبة إلى Air France). إلى ذلك، وفي مواجهة هيمنة أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وشرق آسيا المدفوعة بطفرة النموّ الصينية، واستحواذ نحو 20 مطاراً على 50% من حركة المرور العالمية، تحاول بعض المطارات، مثل مطار دبي في الإمارات العربية، اختراق ساحة النقل الجوّي.
لا يختلف تنظيم النقل البحري عن آلية عمل النقل الجوّي، بحيث تنتظم أساطيل الحاويات البحرية من خلال شركاتها ضمن تحالفين عالميين (Ocean Alliance 2M وThe Alliance)، التي تتمّ عبرهما حركة النقل البحري عبر الطرق السريعة المنتظمة ومراكز الاستقطاب الرئيسة. الاختلاف الوحيد الذي يميّز النقل البحري عن النقل الجوّي هو صعود قوّة الصين بشكل كبير خلال العقدين الماضيين.

* نقلاً عن «أطلس العولمة: أرض واحدة وعوالم عدّة»، 2018

انقر على الصورة لتكبيرها