يُقدّر التهرّب من ضريبة الدخل على أرباح الشركات بنحو مليار دولار سنوياً، وفق التقديرات الواردة في مذكّرة الفريق الاقتصادي في جمعيّة مصارف لبنان وتقرير بنك عودة الفصلي وغيرهما. يعتبر البعض هذا التقدير محافظاً جدّاً وأقل ممّا هو في الواقع، حيث يسود الفساد في لبنان وتؤمّن السرّية المصرفية والنظم المحاسبية المُعتمدة إمكانات هائلة لإخفاء الأرباح الحقيقية والتلاعب بالميزانيات، فضلاً عن سلسلة واسعة من القوانين والمراسيم والأنظمة التي تبيح قدراً هائلاً من الإعفاءات الضريبية المقوننة أو الاستنسابية، وتسمح دائماً بالتسويات والإعفاءات من الغرامات التي تنطوي على مكافآت جمّة للمتهرّبين من الضريبة وتشجّعهم على التمادي والتعدّي على المال العام. في المقابل، ينظر البعض إلى هذا التقدير المُرتفع لحجم تهرّب الشركات من ضريبة الأرباح، بوصفه انعكاساً لفساد القطاع الخاصّ اللبناني وارتباط شركاته الكبيرة أو الأكثر ربحية بمراكز النفوذ والسلطة في الدولة. وبوصفه أيضاً، وهذا الأهمّ، انعكاساً للأزمة البنيوية في النموذج الرأسمالي في لبنان، حيث تُقدّر إدارة الإحصاء المركزي دخل النشاط الاقتصادي اللانظامي بنحو 30% من مجمل الدخل المُسجّل.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

تُعدّ الشركات الخاصّة صغيرة بمعظمها وضعيفة وهشّة ومركّزة في نشاطات خدمية متدنّية الإنتاجية، ويغلب عليها الطابع العائلي والفردي وأحياناً كثيرة الطابع الاحتيالي على القانون، ويسيطر على الحصّة الأكبر من حجم أعمالها الإجمالي عدد قليل جدّاً من الشركات الاحتكارية ذات الامتيازات، التي تحظى بمعدّلات ضريبة منخفضة وإعفاءات كثيرة ولكنّها تعتمد غالباً الأساليب الاحتيالية لتهريب أرباحها الطائلة من موجب تسديد الضريبة.
في هذا السياق، تكشف إحصاءات مديرية الواردات في وزارة المال أن عدد الشركات اللبنانية المُصرّح عنها حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 بلغ 101.595 شركة، من ضمنها 6.274 شركة (6% من مجمل الشركات) لا تزاول العمل وفقاً لتصاريحها لدى الوزارة. في حين لا تصرّح سوى 21.388 شركة من الشركات العاملة عن وجود عمّال فيها، ما يعني أن 78.9% من مجمل الشركات النظامية، هي عبارة عن نشاط فردي أو عائلي صغير (متاجر أو ورش تصليح) أو شركات تكتم عمّالها ولا تصرّح عن أجورهم أو شركات صورية يتمّ استخدامها غالباً لتملّك العقارات وتبادلها تهرّباً من تسديد الضرائب والرسوم المُترتّبة على عمليات التفرّغ عن العقارات. علماً أن نصف الشركات التي تصرّح عن عمّالها تشغّل أقل من 5 عمّال، في حين أن 0.6% فقط تصرّح عن أكثر من 100 عامل.
لا تتفق هذه الإحصاءات مع نتائج المسح الذي قامت به إدارة الإحصاء المركزي عام 2004 والذي أحصى وجود 176.279 مؤسّسة في لبنان. كما لا تتفق مع إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي تفيد أن عدد الشركات المُسجّلة لديه عام 2014 يبلغ 47.659 شركة، أي أكثر من ضعف العدد المُصرّح عنه لدى وزارة المال ونحو ربع عدد المؤسّسات وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي. وهذا دليل على حجم التلاعب في تصاريح الشركات لدى الدوائر الضريبية وصندوق الضمان وغياب الآليات لضبط التهرّب الضريبي وعدم التصريح وتفشّي العمل اللانظامي، علماً أن إحصاءات الوزارة والصندوق وإدارة الإحصاء تتفق على أن أكثر من 85% من الشركات لا تصرّح سوى عن أقل من 10 عمّال في كلٍّ منها، ما يعني أنها صغيرة للغاية وحجم أعمالها متدنٍ، وبالتالي فإن عدم التزامها بالتصريح الصحيح ليس هو المسؤول الأوّل عن التهرّب من ضريبة الأرباح المُقدّر بمليار دولار، بل عدم تصريح الشركات الأكبر حجماً عن حجم أعمالها الحقيقي وإخفاء أرباحها الفعلية المُحقّقة.
تقدّم إحصاءات الشركات المُسجّلة في وزارة المال وفقاً لحجم أعمالها لعام 2016 صورة مُعبّرة جدّاً، إذ أن 85.4% من مجمل هذه الشركات صرّحت عن حجم أعمال سنوي يقلّ عن مليار ليرة (ما يعادل 663 ألف دولار أميركي سنوياً أو نحو 55 ألف دولار شهرياً). علماً أن 77% منها هي شركات فردية تخضع لضريبة تصاعدية على الدخل والأرباح و23% منها هي شركات أموال يمنحها القانون إعفاءات وامتيازات ضريبية شتّى. في المقابل، تُبيّن هذه الإحصاءات أن 7% من الشركات صرّحت عن حجم أعمال بين مليار و10 مليارات ليرة سنوياً (ما بين 55 ألفاً و553 ألف دولار شهرياً)، علماً أن 40% منها هي شركات أموال و60% شركات فردية. في حين أن 1.5% فقط من مجمل الشركات تخطّى حجم أعمالها المُصرّح عنه 10 مليارات ليرة سنوياً (فوق 6.633 مليون دولار)، علماً أن 65% منها هي شركات أموال، في مقابل 35% شركات فردية. وتجدر الإشارة إلى أن 78% من مجمل شركات الأموال (هولدنغ وأوف شور ومساهمة) تتركّز أنشطتها في تجارة البيع بالتجزئة والجملة (من دون تجارة السيّارات وبيع الوقود) وفي الأنشطة العقارية والإيجارية حصراً.