غزة | عاش الفلسطينيون المقيمون في قطاع غزة، أمس، يوماً تاريخياً في حياتهم، اختلطت عليهم مشاعرهم، حيث سادت أجواء الفرحة العامة والبهجة التي غابت عنهم منذ سنوات طويلة، لتنفيذ عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وخرج الفلسطينيون أمس من كل حدب وصوب لاستقبال أسراهم المُفرج عنهم في إطار الصفقة في قطاع غزة.
وتمركزت أنظار آلاف الفلسطينيين صوب معبر رفح، حيث بدأت مشاعرهم تهتز مع بدء دخول أول حافلة إلى قطاع غزة. وما إن وصلت الحافلات التي تقل المحررين، تهافت عليهم أهلهم وأصدقاؤهم، ليقابلوهم بالأحضان والعناقات، فامتزجت الدموع مع الفرحة، في مشهد تأثر فيه جموع المواطنين الذين تجمعوا لاستقبالهم.
وفي تضارب بالأحاسيس، قابلت والدة الأسير محمد عبد الكريم أبو عطايا (43 عاماً)، المحكوم عليه بـ17 مؤبداً، على خلفية انتمائه إلى القسام، بالدموع والابتسامات، والقبلات الحارة، وكان بجوار والدة الأسير ابنه الأصغر يتأمل والده لأول مرة، يراه فيها، ويقارن بينه وبين الصورة التي يحملها والتي طالما احتفظ بها، ولا سيما أن والده اعتقل قبل أن يرى الابن النور.
يحمل أبو عطايا ابنه ويقبّله، يذرف دموع فرحة ويضمّه إلى صدره، وتحدث أم محمد ابنها: «لما سمعت الخبر يُما الفرحة ما وسعتني، وضليت أزغرد وأغني، وبلش الجيران يتوافدوا علينا ويباركولي برجوعك يا غالي، دايما كنت أحس انه في شي ناقص حياتنا من غيرك»، وهو يرد عليها: «رجعتلك يُما رجعتلك بدعواتك إلي الحمد لله إني قدرت أبوس ايدك، وأشم ريحة تراب بلدي».
ونُقل الأسرى المحررون في مراسم رسمية إلى مدينة غزة، يتقدمها موكب لرئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، ليصل إلى المكان الرئيسي، حيث يُقام الاحتفال الوطني، ترحيباً بهم.
واصطف الغزيّون على جانبي أطول طريق في غزة «صلاح الدين» الذي يمتد من رفح جنوباً حتى بيت حانون شمالاً، يحملون الأعلام الفلسطينية، ورايات الفصائل يلوّحون بها فرحاً وبهجة برؤية الأسرى، الذين يلقون التحية عليهم من نافذات الحافلات التي يستقلونها. تزينت شوارع غزة باللافتات الضخمة التي تحمل صوراً للمجاهدين وكبار القادة الفلسطينيين، وعمداء الأسرى الذين حُرِّروا، والذين ما زالوا حتى اليوم في السجون الإسرائيلية.
وانتشرت سيارات أمنية تحمل أسلحة رشاشة، وأخرى من العيار الثقيل، تمركزت على مفارق الطرق، التي كانت تعلق عليها لافتات كبيرة تبارك «الانتصار العظيم للمقاومة»، إضافة إلى رايات حماس وبعض الفصائل. وأقيمت الأعراس الوطنية في محافظات غزة، ووُزِّعت الحلوى على المواطنين، وأصحاب المركبات التي تسير بالشوارع، وتوشح المواطنون الكوفية الفلسطينية.
وأُسدل علم فلسطيني كبير على طول المبنى الموجود في ساحة أرض الكتيبة وسط غزة، التي امتلأت بجموع غفيرة من المواطنين، توافدوا إليها من جميع محافظات القطاع، منذ الساعات الأولى للصباح، بدعوة من فصائل الوطنية والإسلامية، تنتظر الأسرى المحررين للاحتفال بهم، وشُيِّد مسرح كبير فيها ليجلس عليه جميع المحررين.
مسرح تزينت جدرانه بلافتات كبيرة، تهنئ الأسرى بحياتهم الجديدة، وصورة توضح أحداث عملية «الوهم المتبدد»، إضافة إلى صورة زعيم الحركة الراحل الشيخ أحمد ياسين، وصور لشهداء الحركة وكبار أسراها الذين ما زالوا في السجون حتى الآن.
أسماء، ابنة السادسة والعشرين، اجتازت الجموع المتزاحمة للوصول إلى والدها (الشيخ الكبير) الذي كان عمرها عاماً واحداً حين اعتقل. ارتمت في أحضانه وقبلته، ودموعها تنهمر، وهو يبادلها الشعور نفسه.
وتخلل الحفل أناشيد وطنية، حيث قام الفنان الأردني الذي وصل من طريق معبر رفح اليوم، ليشارك الفلسطينيين فرحتهم، عبد الفتاح عوينات، بتقديم أغانٍ وطنية. وألقى القيادي المُحرر يحيى السنوار كلمة خلال الحفل أكد خلالها أن «الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع كسر جبروت الأسرى، وأن يزيدوا من قهرهم، بل حولوا من زنازينهم أكاديميات ومدارس، تجهزهم للمعركة المقبلة مع الاحتلال». وأضاف: «اليوم نحن مدينون لأولئك الشهداء الذين قضوا نحبهم في عملية الوهم المتبدد، ولمن قضى بعد ذلك في هذا السبيل نحن مدينون، في حريتنا لكل أم رأت طفلها يتضور جوعاً وهي لا تستطيع أن توفر حليبه وطعامه يوم حاصره الاحتلال، ومدينون لكل طفل تأتأ وتوجع وهو يتضور ألماً بانتظار الدواء، ومدينون لكل غزي، ومن تضامن معه، في قضيته العظيمة».
الأسير المحرر تيسير بورديني (39 عاماً) من رفح، ورغم الفرح الذي تشاركه مع أمه وأخوته وأبنائه، شعر بالحزن على أمهات الأسرى الذين لم تشملهم الصفقة، داعياً إلى العمل الجاد من أجل الإفراج عنهم. بورديني الذي كان محكوماً بالمؤبد، بتهمة طعن جندي للاحتلال والتخطيط لاختطاف آخرين، قضى منها 18 عاماً، انتهز هذه المناسبة ليقول للعالم إن «الشعب الفلسطيني يستحق الحياة ودولة فلسطينية مستقلة».
ورأى المواطن سعيد دوابة أن يوم أمس كان عيداً ثالثاً للعالم، «يجب أن يسجل في التاريخ الفلسطيني، ويرسم عيداً وطنياً، وهذه الصفقة هي انتصار للشعب الفلسطيني وللأمة العربية، ودليل على أن المقاومة هي الطريق لتحرير كل الأسرى، بعدما نجحت بقلع شوكة إسرائيل».
ووصلت مساء الاثنين ثلاث عائلات أسرى فلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، هم: أيمن عمر، أشرف أبو مليحة ومهدي أبو شاور، آتين عبر الأردن ومن ثم مصر دخولاً من معبر رفح البري، للاحتفال مع أبنائهم المبعدين إلى غزة. ودخل إلى غزة عبر معبر رفح البري عائلتان من أهالي الأسيرين عماد المصري من طوباس وناصر نزال من قلقيلية.