المنامة| تدفع المرأة البحرينية ثمن مشاركتها في دفع حركة «١٤ شباط»؛ باتت أكثر من 30 امرأة يقبعن في السجون. العشرات يتعرّضن للضرب والإهانة والتهديد الذي وصل الى حدّ الاغتصاب، أما الأظلم فكان المس بالكرامة الجماعية، فخرجت أصوات المتطرّفين لتنعتهن بـ«فتيات المتعة». واعتقال النساء في البحرين لأسباب سياسية ليس بالشيء الجديد، حدث ذلك من قبل في تسعينيات القرن المنصرم، أثناء ما صار يعرف اليوم بـ«انتفاضة الكرامة»، لكن الأمور لم تصل إلى ما وصلت إليه في 2011. نساء معتقلات لأسباب مختلفة، أقلّها امتلاك هاتف خلوي يحوي على رسالة نصية تدعو إلى تظاهرة.
وعدد النساء المعتقلات في البحرين تأكّد من خلال إحصائيات رسمية يجريها مركز البحرين لحقوق الإنسان، برئاسة الحقوقي نبيل رجب، وهو رقم كبير مقارنة بعدد سكان البحرين الذين لا يتعدّون 600 ألف نسمة. والمعتقلات البحرينيات هنّ خليط من مدرسات وطبيبات وممرضات وناشطات، وصولاً إلى نساء لا ذنب لهنّ سوى انتمائهن للمذهب الشيعي.
النصيب الأوفر من الاعتقال كان للطاقم الطبي في المرتبة الأولى والتعليمي في المرتبة الثانية، إذ حصلت «الأخبار» على قائمة ضمّت ثلاثين امرأة، كان منهنّ 11 معتقلة من الطاقم الطبي، ما بين طبيبة وصيدلانية وممرضة، 6 مدرسات بينهن نائبة رئيس جمعية المعلمين التي صدر قرار بحلّها من وزارة التنمية الاجتماعية.
وتقول مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إنّ «السجينات موزّعات على سجنين، سجن إدارة التحقيقات الجنائية، وهو سجن سيّئ الصيت، إضافة إلى مركز شرطة مدينة عيسى، وهناك معلومات عن سجينات في حالة صعبة بسبب التعذيب».
ندى ضيف، شابة بحرينية تعمل طبيبة، تحدّثت مرة واحدة إلى قناة «الجزيرة» الفضائية، وظهرت تكراراً على بعض القنوات الفضائية الناطقة بالإنكليزية، اضافة الى وجودها في دوار اللؤلؤة. أفعال جعلتها في موقع المتهم، وكانت كافية لاعتقالها بعد إعلان حالة السلامة الوطنية (الطوارئ)، وهي المرأة الوحيدة التي لم تقر السلطات حتى الآن بوجودها في المعتقل.
ليست كل المعتقلات شيعيات، مع ندى طبيبات أخريات اعتُقلن بينهن نهاد الشيراوي التي تنتمي الى الطائفة السنية. كلّ ذنبها أنها أشرفت على علاج عبدالرضا بوحميد، قبل أن تظهر في صورة تحتضن زميلتها وتبكي عقب إعلانها وفاة بوحميد بعد أيام من محاولتها المستميتة لإنقاذه.
وهناك غيرهما، خلود الدرازي رئيسة قسم التوليد في مجمع السلمانية الطبية، ورولا الصفار، رئيسة جميعة التمريض. أسماء وراء قضبان السجون. وهناك شاعرة شابة، هي آيات القرمزي، اعتُقلت إثر إلقائها قصيدة في دوّار اللؤلؤة تهجو فيها رئيس الوزراء. وطُلب من أهلها بعد ذلك تقديم بلاغ أنها مفقودة، لكن بعد أسابيع اتصلت لتقول كلمتين فقط «أنا بخير». اتصال لم يطمئن أهلها بالطبع، فلا أحد يعلم ما يجري للابنة، حيث تتحدث شائعات عن «تعرّضها للتعذيب الشديد».
وقبل أيام، اعتقلت السلطات في الوقت نفسه 3 مدرّسات وهن يقمن بواجبهن في تدريس الفتيات اللواتي أُصبن بحالات هلع وإغماء، نتيجة مداهمة القوات الأمنية للفصول الدراسية.
«لا أحد فينا يملك الروحية لمزاولة حياته بنحو طبيعي، حتى الطعام صار صعباً وعسيراً على أبنائي»، هكذا يتحدث زوج إحدى المعتقلات. ويضيف أنّ زوجته تعاني من أمراض وتحتاج إلى تناول الأدوية يومياً وبانتظام، وأن السلطات الأمنية اتصلت به بعد ليلة من اعتقالها طالبة أن ترسل لها ملابس خاصّة. ولمّا توجّه إلى مبنى التحقيقات الجنائية في منطقة العدلية لتسليمهم بعض الملابس والأدوية، رفضت السلطات تسلّم الأدوية. ويعيش الزوج قلقاً شديداً، خوفاً من تدهور حالتها الصحية.
أما عن عمليات الاعتقال، فهي مشابهة لما يتعرّض له الرجال من حملات المداهمة والاعتقال. طريقة المداهمة الوحشية للمنازل والتكسير والتخريب لمحتويات المكان، هي عادة أصبح يتلذّذ بها رجال الأمن.
حتى التحقيق معهن يقوم رجال، والشرطة النسائية غائبة عن الأمر. ورصدت «الأخبار» أكثر من حادثة تحقيق تعرّضت خلالها المعتقلات للضرب، وخصوصاً المدرّسات اللواتي أُخلي سبيلهن، إذ أكّدن أنّهن تعرّضن للضرب المبرّح على أيدي المحققين.
إحدى الطالبات التي أفرج عنها بعد اعتقال ليومين، قالت إنها «تعرّضت للضرب الشديد، وخُيّرت بين سبّ رموز دينية أو اغتصابها». وتشير المصادر إلى أن كل النساء اللاتي تعرّضن للاعتقال لم يسمح لأهاليهن بزيارتهن.
وعند نقاط التفتيش، وثق حقوقيّون عدداً كبيراً من الانتهاكات. إحدى البحرينيات أوقفها جندي سعودي عند نقطة تفتيش وطلب منها ركن سيارتها جانباً والانتظار، وبعد ساعة كاملة من الانتظار دخل السيارة وبدأ تفتيشها والتحرش بها، ما دفعها للصراخ، وعلى الفور جاء جنود آخرون وأخرجوا زميلهم من السيارة.
الإهانات لا تتوقف. في إحدى القرى كُتب على أبواب البيوت أن بناتكم هنّ بنات المتعة.
وعن أسباب الاعتقال فهي متعدّدة ومختلفة. أبرز سبب لاعتقال الطاقم الطبي كان مساعدة الجرحى إثر العمليات العسكرية التي قام بها الجيش البحريني في 17 شباط، ومهاجمة رجال الأمن دوّار اللؤلؤة في ما صار يعرف بأحداث المرفأ المالي، والهجوم الذي شنّته قوات «درع الجزيرة» والجيش البحريني في عملية «تطهير» الدوّار، التي مُنع الطاقم الطبي فيها من مداواة الجرحى.
أما مدّرسة المرحلة الابتدائية، أمينة عبد النبي، فكانت تهمتها السماح للطلاب برسم دوار اللؤلؤة في كرّاساتهم المدرسية، وعدم التبليغ عنهم. وكان ذنب خاتون السيّد التي اعتقلت من مركز الدير الصحي أنّها امتلكت هاتفاً محمولاً من طراز بلاك بيري.
هذه عيّنة بسيطة من أسباب الاعتقال. ولهذا يرى البحرينيون أن اعتقال النساء هذه المرّة يختلف عن المرّات السابقة (التسعينيات)، فيما مشاعر الغضب والغصّة سوف تبقى في قلوب البحرينيين لفترة طويلة جداً.



«حرائر في السجون»


سجّلت المعارضة البحرينية الأسبوع الماضي باسم «الحرائر في السجون». وقد أُقيمت عدّة فعاليات لرفع الظلم عن النساء البحرينيات وما يجري عليهن. وناشدت المعارضة وناشطون حقوقيون، المنظمات الحقوقية العالمية التدخل للإفراج عن السجينات. ورفعوا شكوى ضدّ الانتهاكات التي تتعرض لها النساء، إلا أنه حتى اللحظة لم تجد هذه المناشدات آذاناً صاغية لإيقاف الحملة الأمنية ضد النساء.
ويشير أحد الحقوقيين الى أنّه لم تحصل امرأة عربية على عذاب كالذي تعانيه البحرينيات، مستشهداً بما قاله الشيخ عيسى قاسم (الصورة) في إحدى خطبه بأن «المصريات والتونسيات شاركن بشجاعة في ثورتي بلديهما، لكنهن لم يتعرّضن لما تعرضت له البحرينيات». وتقول ناشطة «نحن ندفع ضريبة كبرى، فقد أسقطوا أيّ حرمة لنا كنساء، فنحن أصبحنا رهائن ومعذبات، وهذه هي قصصنا».