عدن | قرّر اتحاد الكرة اليمني «تأجيل الدوري العام لأندية الدرجة الأولى لكرة القدم للموسم الحالي 2010 ـــــ 2011 حتى إشعار آخر». للوهلة الأولى قد يظن البعض أن هذا القرار جاء بسبب رؤية «حكيمة» من قيادة اتحاد كرة القدم اليمني بسبب الظروف التي تمر بها اليمن، ولا سيما أن الدول في غالب الأحيان تلجأ إلى إلغاء أي مناسبة للتجمع في ظل أحوال احتجاجية مثل تلك القائمة في اليمن.
لكن بعد البحث في المعلومات المسجلة في وقائع الأسبوعين الأخيرين ليوميات الدوري المحلي، يُكتشف أن فريقين من المحافظات الجنوبية هما فريق حسّان (أبين) وشعب المكلّا (حضرموت) لم يلعبا مباراتيهما الأخيرتين في سياق الجدول العام للدوري.
وتشير التصريحات اليومية المسجلة على صفحات الصحف والإعلام الرسمي إلى أن الفريقين قد أعلنا، لظروف خاصة بهما، عدم قدرتهما على الوصول إلى المحافظات الشمالية لأداء بعض المباريات المفترضة حسب الجدول الرسمي للبطولة. هذا ما أُعلن، لكن ما لبث أن اكتُُشف أن ذلك الإعلان كان من صنع خيال الآلة الإعلامية الرسمية التي ترغب في القول إن الحياة لا تزال تسير على عادتها، ولا شيء يحدث، فيما كانت الحقيقة تنام في جانب آخر من تلك الأخبار المتداولة رسمياً.
حقيقة الأمر أن ذلك الإعلان الذي ظهر رسمياً، كان يخفي داخله رفضاً من ناديي حسّان وشعب المكلّا خوض المباريات ضمن مجريات بطولة كرة القدم المحلية، بالتوازي مع سيلان دماء أبناء اليمن بالقرب من الملاعب التي تجري فيها مباريات الدوري العام.
وبناءً عليه، بدت مدينة عدن مجدداً بلا مباريات لكرة القدم، وهي التي طالما عشقت هذه اللعبة وظهرت متعلقة بها في أصعب الظروف التي مرّت بها على مرّ تاريخها، من الحروب الداخلية في الثمانينيات، وصولاً إلى حرب الشمال على الجنوب التي شنّها علي عبد الله صالح بعد قرار فكّ الارتباط الذي أعلنه الرئيس اليمني الجنوبي علي سالم البيض في عام 1994.
لكن يبدو جلياً أن الوضع قد اختلف تماماً هذه المرة. فهي تبحث عن طريق شبابها الثائر، عن مصير جديد لها. إنها «ثورة الشباب اليمنية». وقد شُغل الشباب بالاستيقاظ الباكر من أجل ممارسة حقهم في المسيرات الجماهيرية أو العصيان المدني الذي تحتكره مدينة عدن بامتياز، هي التي تعرف «تطبيقه بنسبة عالية تكاد تتفوق من خلاله على باقي نسب نجاح تنفيذ العصيان الذي حصل أخيراً في محافظتي البيضاء (جنوبي صنعاء) والحديدة (غربي صنعاء)».
لكن أين أندية مدينة عدن من كل هذا، وخصوصاً نادي التلال الرياضي الذي سجّل اسمه كأول ناد لكرة القدم على مستوى شبه الجزيرة العربية؟ سؤال لا يمكن تبديد حيرته من غير الوصول إلى بدايات حالة الأسر التي وقع فيها هذا الفريق العريق بعد حرب صيف عام 1994، حين قررت أسرة الرئيس علي عبد الله صالح تقاسم إرث المدينة من كافة جوانبه وتوزيعه بطريقة ترضي جميع أطراف العائلة. ففي الوقت الذي ذهبت فيه أراضي عدن وعقاراتها إلى كبار الأسرة، قرر هؤلاء ترك أمور الثقافة والرياضة للصغار منهم؛ العميد يحيى محمد عبد الله صالح، ابن شقيق رئيس الجمهورية وقائد قوات الأمن المركزي، إضافة إلى نجله أحمد قائد قوات الحرس الجمهوري، اللذين تبادلا في أوقات مختلفة مهمة الرئاسة «الشرفية» لنادي التلال، ليظهر أنهما على درجة أرستقراطية لائقة تمكّنهما من اللحاق بإرث هذا النادي العريق فعلاً.
وبقيت هذه السيطرة الرئاسية على أمور «التلال» إلى وقت قريب من بداية حركة الاحتجاجات السلمية، وانتقلت في وقت لاحق إلى أيدي قيادات من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، بعيداً عن أيدي «الابنين الوريثين»، يحيى وأحمد، لكنها بقيت في الوقت عينه في أيدي عناصر جنوبية يقرّون بالولاء لـ«الوريثين»، بينهم وزير الشباب والرياضة الحالي في حكومة تصريف الأعمال، الجنوبي عارف الزوكا، الذي ترأس نادي التلال بدلاً من الوريث أحمد علي عبد الله صالح، بعدما شُغل الأخير بترتيب أوراقه الأخيرة التي كان من المقرر تقديمها للشباب من أجل اعتماده رئيساً مقبلاً لليمن. لكنه اصطدم بـ«ثورة الشباب»، فذهب مشغولاً عن ذلك وعن أمور كرة القدم في نادي التلال الجنوبي، الذي ظهر بلا قيادة الآن وغير قادر بالتالي على اتخاذ قرار عدم الاستمرار ببطولة الدوري العام. وبناءً عليه، يمكن استنتاج السر الذي جعل هذا النادي معلّقاً قرار الاستمرار بالبطولة، وقد صار معلّقاً بين شفتي نجل رئيس متأرجح بين قرار التنحّي أو... الخلع.