واشنطن | يبدو أن الإدارة الأميركية تتّجه بهدوء إلى التخلّي عن حليفها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، في أعقاب الاعتصامات المتواصلة منذ كانون الثاني، بعدما خلصت إلى أن من غير المحتمل تحقيقه الإصلاحات المطلوبة، وأنه يجب دفع «ثمن» لإنهاء الاحتجاجات وإعادة التركيز على محاربة تنظيم القاعدة. وبعدما أوضحت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الإدارة الأميركية حافظت على دعمها للرئيس اليمني سراً، وامتنعت عن انتقاده في العلن، حتى عندما أطلق أنصاره النار على المتظاهرين، لأنها كانت تراه حليفاً أساسياً في القتال ضد تنظيم القاعدة في اليمن، فإن هذا الموقف بدأ يتغير منذ الأسبوع الماضي. ونسبت الصحيفة إلى مسؤولين أميركيين قولهم إن الأميركيين لم يضغطوا علناً على الرئيس صالح للرحيل من السلطة، إلّا أنهم أبلغوا حلفاءهم أنهم يرون أن تمسك صالح القوي بالسلطة أمر لا يمكن الدفاع عنه، وأنهم باتوا يعتقدون بضرورة رحيله.
كذلك نقلت الصحيفة عن مسؤول يمني قوله «إن الموقف الأميركي تغيّر عندما بدأت المفاوضات مع الرئيس صالح بشأن الشروط الممكنة لرحيله تتضح تدريجاً قبل أكثر من أسبوع».
وأكّد المسؤول نفسه أن «الأميركيين كانوا يضغطون من أجل نقل السلطة منذ بداية» تلك المفاوضات، لكنهم تجنبوا التصريح بذلك علناً لأنهم «ما زالوا مشاركين في المفاوضات لنقل السلطة». ولفت المسؤول إلى أن تلك المفاوضات تتركز في الوقت الراهن على اقتراح يقضي بأن يسلم صالح السلطة إلى حكومة مؤقتة بقيادة نائبه، بانتظار إجراء انتخابات جديدة، مؤكداً أن هذا المبدأ «لا خلاف حوله»، وأن الخلاف يتركز فقط حول توقيت الرحيل وآليته.
ووفقاً للصحيفة، من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن خروج آمن لصالح وأسرته إلى بلد آخر، لكن يبدو أن هذا هو اتجاه الحديث في صنعاء.
وقالت الصحيفة إن مفتاح رحيل صالح يكون بترتيب نقل للسلطة يسمح بأن تستمرّ عملية مكافحة الإرهاب في اليمن. وفي السياق، نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله، إن المواجهة بين الرئيس والمتظاهرين «كان لها أثر سلبي على الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد».
ووفقاً للمسؤول الذي لم تفصح الصحيفة عن هويته، فإنه «إلى حين أن يتمكن الرئيس صالح من التوصل إلى حل للمأزق السياسي، ويعلن متى وكيف سيفي بالتزامه ويأخذ خطوات ملموسة لتلبية مطالب المعارضة، سيستمرّ الوضع الأمني في اليمن عند خطر التدهور»، فيما رأى مسؤول أميركي آخر أن الخطوات الملموسة قد تكون الرضوخ لطلب تنحّي صالح، على الرغم مما يمثله سقوطه من مشكلة حقيقية للولايات المتحدة، وفقاً لما أكده وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس في تصريحات سابقة. وفي السياق، تطرق مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جيم جونز، أمس في مقابلة مع شبكة «آيه بي سي» الأميركية، إلى الوضع في اليمن، معتبراً أنه «مثير جداً للقلق».
وسئل إن كان على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن يبقى في الحكم وهو حليف أميركا في الحرب ضد الإرهاب، فأجاب «ثمة أمور يمكننا القيام بها وأخرى لا، وعندما تبلغ الأحداث مستوى معيناً تصبح لها حياة بحد ذاتها، ومن الجميل أن نتمكن من التفكير أن بإمكاننا القيام بكل شيء وجعل العالم ممتازاً كما نريد، لكن هذا ليس ممكناً».
من جهة ثانية، ذكرت مصادر يمنية أن وفداً يمثّل شباب التغيير في اليمن يعقد لقاءات في واشنطن مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأميركية والكونغرس.
وأكّدت المصادر أن الوفد نقل احتجاجاً شديد اللهجة من شباب التغيير إلى المسؤولين الأميركيين بسبب الموقف الأميركي المتذبذب، الذي يفهم منه في اليمن على نطاق واسع أنه داعم لبقاء الرئيس علي عبد الله صالح أو أفراد أسرته في حكم اليمن، رغم الرفض الشعبي العارم لهم. وقال هؤلاء في رسالتهم الاحتجاجية إن «السياسة الأميركية الحالية في اليمن لا تتعارض مع المبادئ التي تأسست عليها أميركا فقط، بل تتعارض أيضاً مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة التي يفترض أن تعمل على تحسين علاقاتها مع الشباب، الذي سيحكم البلاد لسنين طويلة، بدلاً من التضحية بالمصالح العليا، من أجل حاكم أصبح سقوطه وشيكاً، وأفراد أسرته ملطخين بالفساد والإجرام».