لم تُفلح مساعي العقيد الليبي معمر القذافي، لدى بعض الدول الأوروبية، في تبنّي مبادرة حل بينه وبين المعارضة، فلجأ إلى الأتراك الذين لم يقطعوا شعرة معاوية معه، رغم مشاركتهم في عمليات مراقبة سواحل الجماهيرية ضمن القوات الأطلسيةلجأ النظام الليبي أخيراً إلى البحث عن وساطات دولية تنتشله من المأزق الذي وضع نفسه فيه، جرّاء رفضه مطالب شعبه، فطرح مبادراته بين العواصم، ليستقر الأمر في أنقرة، التي وصلها مبعوثه نائب وزير الخارجية الليبي، عبد العاطي العبيدي، بين زيارتين واحدة قام بها إلى اليونان أول من أمس، وأخرى يقوم بها اليوم إلى مالطا. وبدا أن العبيدي يجول لتقديم مبادرة من أجل «وقف فوري» لإطلاق النار بين القوات الليبية الحكومية وعناصر المعارضة.
واللافت هو تزامن وجود العبيدي في العاصمة التركية مع حضور الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي أندريس فوغ راسموسين، الذي أجرى محادثات مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، تناولت الأزمة الليبية بالتفصيل، حسبما ذكر دبلوماسيون أتراك.
وفيما ناقش أردوغان وراسموسين سبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا، بما يتلاءم مع قرارت مجلس الأمن، وصل نائب وزير الخارجية الليبي إلى أنقرة، حيث التقى المسؤولين الأتراك الرفيعي المستوى، لبحث سبل تسوية الأزمة في ليبيا.
وقال مصدر في أنقرة «هناك مطالب (قدمت إلى تركيا) من طرفي النزاع» في ليبيا، أي حكومة القذافي والثوار، مضيفاً أن «أولوية تركيا في ليبيا هي وقف الأعمال العدائية».
وفي أثينا، أعلن وزير الخارجية اليوناني ديميتري دروتساس أن إرسال ليبيا مبعوثاً إلى الحكومة اليونانية ثم إلى تركيا ومالطا، يُظهر أن النظام الليبي يبحث عن مخرج للأزمة.
مع ذلك، وصف دروتساس مهمة العبيدي بأنها «خطوة أولى مهمة» باتجاه حل دبلوماسي للنزاع الدائر حالياً في ليبيا.
وتحدث دروتساس عن ضرورة حصول «فترة انتقالية لضمان الأمن والاستقرار في ليبيا»، وكذلك إعداد «تغييرات ضرورية».
وبحسب صحيفة «ايليفتيريوتيبا» اليونانية، فإن زيارة المبعوث الليبي إلى أثينا سبقتها محادثة هاتفية بين القذافي والرئيس اليوناني كارولوس بابولياس.
لكنّ المبادرة الليبية في اليونان ردّت عليها إيطاليا بوصفها «تفتقد الصدقية»، وأعلنت اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي المعارض في بنغازي، بينما أبدت لندن بعض التحفظات على خطوات النظام الليبي.
وفي المواقف، قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، «كنا دائماً واضحين بشأن ما يجب أن تكون عليه المرحلة المقبلة، والحاجة إلى هدنة حقيقية، وإلى نهاية لأعمال العنف».
وأضاف «لسنا نبحث عن استراتيجية خروج للقذافي»، فيما تتكثف المعلومات الصحافية عن تفاوض محتمل على رحيل الزعيم الليبي بمساعدة أبنائه.
وفي روما، بعد اجتماعه بعضو المجلس الوطني الانتقالي، المسؤول عن الشؤون الخارجية، علي العيساوي، قال وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتيني، لقد «قررنا الاعتراف بالمجلس بصفته المحاور السياسي والشرعي الوحيد الذي يمثّل ليبيا».
وأضاف فراتيني أنه تحدث مع مسؤولين في اليونان التي زارها نائب وزير الخارجية الليبي، واصفاً مقترحات حكومة القذافي بأنها «تفتقد الصدقية». وقال إن هذه المقترحات يتعهد فيها القذافي باحترام وقف إطلاق النار.
وأشار إلى أن «نظام طرابلس يرسل أشخاصاً إلى بعض الدول.. إلى اليونان .. إلى مالطا، ويرسل أشخاصاً لتقديم مقترحات. هذه المقترحات تفتقد الصدقية».
وتابع فراتيني «لكن لم يذكر أي شيء بشأن رحيل القذافي وهو أحد الشروط.. لذا ليس من الممكن قبول وجهة النظر هذه»، مشدداً على أن القذافي ليس محاوراً مقبولاً للمجتمع الدولي، وأن وجود ليبيا مقسمة أمر غير مقبول. وكرر مطالب الغرب برحيل القذافي على الفور.
وكان العيساوي قد أكد في روما، في حضور فراتيني، أن الشركات، ومن بينها شركة ايني العملاقة للنفط، وهي من كبريات الشركات الأجنبية المنتجة للنفط في ليبيا، لن تعاقبها أي حكومة مستقبلية يؤلفها المعارضون. وأضاف أن الحقوق المشروعة للأجانب والشركات الأجنبية في ليبيا ستُحترم.
ويبدو أن ثمة رابطاً بين مبادرة القذافي لدى اليونان ومالطا، والدور التركي، إذ إن مبعوث القذافي إلى أثينا وأنقرة هو نفسه العبيدي. بيد أن مضمون الوساطة لم يتّضح بعد، باستثناء مع أبلغه «الأخبار» الخبير السياسي الليبي المُعارض، الدكتور صالح جعودة، من أن العناصر الأساسية في هذه المبادرة هي «وقف فوري لكل العمليات العسكرية، وتلبية المطالب الشرعية للشعب الليبي، والاتفاق على شخصية تدير الأمور».
وقرئ الموقف الإيطالي السلبي من مبادرة القذافي على أنه يتكامل مع الموقف الفرنسي والبريطاني، على طريقة الكراسي الموسيقية، ويهدف إلى الضغط لكي لا تذهب المبادرة التركية إلى حدّ يبقى معه أحد أبناء القذافي في السلطة.
ويلخّص جعودة مطالب الثوار في بنغازي، في حال طرح أي مبادرة، في أن تركّز على «وجود ضمانة بألّا يقوم القذافي أو أحد أبنائه بأي نشاط سياسي، وعودة كتائب النظام إلى معسكراتها بمعرفة مندوب الأمين العام للأمم المتحدة، وأن يصاحب وقف إطلاق النار وانسحاب القوات إطلاق سراح كل المعتقلين في طرابلس والزاوية». وتصرّ المعارضة على ألّا يكون للعقيد الليبي، أو لأحد من مرتكبي الجرائم ضد الشعب الليبي، أي نوع من الحصانة في حال رحيله.
أما سبب وجود أنقرة على خط الوساطة، فمن الواضح أن الأتراك لا يريدون وقف العلاقة مع الطرفين (السلطة والمعارضة)، وخصوصاً أن تركيا نجحت في وساطتها الشهر الماضي مع طرابلس في إطلاق صحافيي «نيويورك تايمز» الذين اعتُقلوا في 15 آذار الحالي في مدينة أجدابيا الليبية. كذلك نجحت أنقرة في إقناع النظام الليبي بالسماح لسفينة تركية بنقل نحو 250 من الجرحى من مصراتة إلى تركيا للمعالجة.
ويبرز دور قطري من وراء الكواليس، إذ لم تكن مصادفة أن يلتقي رئيس الوزراء اليوناني نظيره القطري حمد بن جاسم آل ثاني، يوم السبت، في الوقت الذي أجرى فيه اتصالاً بأردوغان.
من جهة أخرى، أعلن آمر سلاح الجو الملكي البريطاني، المارشال ستيفن دالتون، أن سلاحه يخطط على أساس أن العمليات في ليبيا ستستمر ستة أشهر على الأقل، وحذّر من أن هذا السلاح يحتاج إلى زيادات حقيقية في ميزانيته لتمكينه من القيام بالعمليات التي تطالب بها الحكومة.
وأبلغ المارشال دالتون صحيفة «الغارديان» أن سلاح الجو سيكافح من أجل الحفاظ على مستويات قدراته، لكنه يحتاج إلى أموال إضافية في المراجعة التي ستجريها الحكومة لاستراتيجية الدفاع لعامي 2014 و2015.
من جهة ثانية، قصفت كتائب القذافي مدينة مصراتة التي يسيطر عليها الثوار، فيما نقلت قناة «الجزيرة» الفضائية عن شهود أن قوات الزعيم الليبي قصفت حقل مسلة النفطي في شرق ليبيا.
وكانت وكالة أنباء «بلاتس» قد ذكرت أن المعارضين الليبيين سيحمّلون، هذا الأسبوع، أول ناقلة بالنفط الخام، منذ أن أوقفت الانتفاضة على القذافي الصادرات من البلاد.
إلى ذلك، أعلن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أن الثوار الليبيين الذين قتلوا الجمعة الماضي، في غارة نفذها حلف شمالي الأطلسي خطأً في منطقة البريقة، هم من العناصر التابعين له.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)