مع اندلاع انتفاضة الرابع عشر من شباط الماضي، اتّجهت الأنظار نحو جمعية الوفاق البحرينية، بوصفها أكبر حركات المعارضة البحرينية، وأكثرها تمثيلاً في البرلمان والشارع، فحمّلتها السلطات مسؤولية تصعيد الأزمة والزجّ بالبحرين في أتون صراع مذهبي، فيما سعت الجمعية إلى نفي مسؤوليتها عن جرّ البلاد إلى الخيار الأمني، مؤكدة تمسكها بالإصلاح والحوار، رغم الخطوات التصعيدية التي اتخذتها الجمعية مع تفاقم الأزمة، وبينها استقالة نوابها من البرلمان.
وثائق «ويكيليكس» الصادرة عن السفارة الأميركية في المنامة توضح موقف «الوفاق» من الحوار وتسريع عملية الإصلاح الديموقراطي، وتجنب الخيار الأمني في التعاطي مع معارضي السلطة، بمن فيهم أقرب المنافسين إليها على الساحة الشيعية، حسن مشيمع، وضرورة التعاون مع الحكومة لمعالجة مختلف القضايا. وتتحدث الوئائق بإسهاب عن اللقاءات المتعدّدة التي جمعت الأمين العام لجمعية الوفاق، علي سلمان، وبعض أعضائها مع السفراء الأميركيين في المنامة طوال السنوات الماضية.
أوّل الاتهامات التي تدحضها الوثائق، سعي الجمعية إلى إسقاط النظام لا إلى إصلاحه. ففي لقاء مع السفير الأميركي وليام تي مونرو، تظهر وثيقة تحمل الرقم (07MANAMA225) مؤرخة في ٨ آذار ٢٠٠٧، الأمين العام للجمعية، يؤكد ضرورة بقاء الملك في منصبه، في مقابل انتخاب رئيس الوزراء من الشعب.
وأكّد سلمان أنه وفقاً لرؤية الوفاق لمستقبل البحرين، سيبقى الملك في منصبه خلال ١٠ إلى ٢٠ سنة المقبلة، لكن رئيس الوزراء «سيأتي من الشعب»، متسائلاً «كم سنة يجب الانتظار بعد حتى نحصل على ملكية دستورية»؟، فيما كان القيادي في الوفاق، سعيد الماجد في الوثيقة (06MANAMA765)، يشدّد على أن هدف الوفاق من المشاركة في الانتخابات الحصول على تمثيل جيّد، وأنّ الجمعية ليست مهتمّة «بالحصول على كرسي الملك». وعوضاً عن ذلك تريد الجمعية مفاوضة الحكومة من موقع قوة انطلاقاً من تمثيلها في البرلمان، للترويج لأجندتها السياسية، والحصول على بعض المناصب الوزارية ووضع أعضاء في مجلس الشورى المعين.
وعن الأجندة السياسية للجمعية، أكّد الماجد أنّها ستركّز على «تعديل الدستور ومحاربة البطالة، وجعل السكن متوافراً أكثر، ومحاربة الفساد الرسمي»، وهو ما أعاد النائب جواد فيروز تأكيده لأحد الدبلوماسيين الأميركيين (07MANAMA263).
هذه الأجندة، أكّد الأمين العام لجمعية الوفاق بدوره في وثيقة تحمل الرقم (07MANAMA225) أن الجمعية تدرك ضرورة تأمين توافق للدفع بها، وتحديداً مسألة تعديل الدستور، مثلما تطلب أيضاً العمل مع الحكومة لوضع خطة مسار التغيرات المستقبلية.
وبعدما أقرّ سلمان بأن الملك حمد بن عيسى آل خليفة أجرى بعض الإصلاحات، لفت إلى أنّ البحرين من وجهة نظره ليست ديموقراطية، طارحاً مجموعة من المشاكل التي ترفعها الطائفة الشيعية في البحرين. وأشار إلى مسألة التجنيس في البحرين، موضحاً أن «تطرق تقرير البندر إلى التجنيس أعطى صدقية لأولئك الذين يعتقدون أن الحكومة تسعى لتغيير الديموغرافيا السكانية الطويلة المدى للسكان»، وهو «احتمال وصفه بأنه مخيف».
هاجس إضافي تحدّث عنه سلمان، هو التمييز ضد الشيعة في التوظيف، وتحديداً في وزارتي الداخلية والدفاع، والتعليم والترقيات، لافتاً إلى أنه «عندما يحظى الشيعة بفرص السنّة نفسها في التوظيف في وزارات الدولة، لا تبقى البطالة مسألة سياسية».
كذلك أكّد سلمان أن «الاثنين، السنة والشيعة، يجب أن تكون لهما حقوق لأنهما يعيشان هنا، وينتميان إلى هنا»، متهماً الحكومة البحرينية بأنها لا تريد علاقات جيدة بين السنة والشيعة. وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة تشعر بأن دورها «حماية مصالح السنة من الأغلبية الشيعية». ووفقاً للوثيقة، قال سلمان «يعتقدون أن السنة عرب، والشيعة ينتمون إلى إيران، السنة لديهم الثروة ويريدون الاحتفاظ بها»، موضحاً أن «الحكومة تخشى أن تعمل الطوائف معاً بسبب المطالب المحتملة بتقاسم ثروة البلاد». وفي الوثيقة نفسها، انتقد سلمان بشدّة اتهام الحكومة للشيعة بالانتماء إلى إيران. وبعدما تساءل عن الدليل، قال: «ولدت هنا، أعيش هنا، وسأموت هنا، وضعت في السجن ونفيت، لكنني لست عميلاً لبلد آخر، لا إيران، ولا الولايات المتّحدة ولا أي بلد آخر».
مرة جديدة نفى سلمان في الوثيقة (07MANAMA672) أي علاقات سياسية مع إيران قائلاً «نحن شيعة، لدينا علاقات دينية مع إيران، لا علاقات سياسية. نتمنى أن يصدّقنا الناس»، وهو ما كان سلمان قد كرره على مسامع السفير في وثيقة ثانية (05MANAMA1860)، مؤكداً أن «الوفاق لا تريد البحرين تحت سيطرة إيران، بالقدر نفسه الذي لا تريد فيه أن تكون البحرين شيعية أو سنية، بل لكل البحرينيين».
موضوع آخر تطرّق له سلمان في الوثيقة رقم (07MANAMA225) هو التظاهرات العنيفة التي تندلع بين الحين والآخر في الشوارع البحرينية، موضحاً أن «ما يفعله الشباب في الشارع من حرق للإطارات وإحداث الكثير من الضجة ليس صحيحاً»، ومؤكداً في الوقت نفسه أنّه إذا قرر أنصار جمعية حق اللجوء إلى الشارع، فلن «أستطيع السيطرة عليهم، وليست مسؤوليتي».
في المقابل، لفت سلمان إلى وجوب أن تترك الحكومة للبرلمان إمكانية أن يحقق شيئاً ما للشعب، لتعطيل فاعلية جمعية «حق» التي تواصل سؤال الوفاق عمّا حققته من الانضمام إلى النظام السياسي.
وفي السياق، أظهرت وثيقة ثانية (07MANAMA672)، في ١٩ تموز ٢٠٠٧، سلمان محبطاً من النظام البرلماني، طالباً مساعدة الولايات المتحدة لحثّ الحكومة البحرينية على تسريع مسار الإصلاح الديموقراطي. وقال سلمان «لا يمكننا إنجاز شي من خلال البرلمان»، المسار برمّته تحت أيدي الملك ورئيس الوزراء، يستطيعان إيقاف كل جهودنا، إنه عرض فقط». كذلك، اشتكى سلمان من عدم اتخاذ أي خطوات صلبة لبناء الثقة بين الطائفة الشيعية والحكومة، مؤكداً أنه «يجب أن نأخذ خطوات جدية لبناء الثقة، والمضي قدماً معاً».
وفي الوثيقة رقم (05MANAMA1860)، لم يخف سلمان الإحباط الذي أصابه من سلوك وليّ العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، بعدما كانت الآمال معلقة عليه لقيادة عملية الإصلاح. ورداً على سؤال للسفير الأميركي عن اختلاف الأجيال بين رئيس الوزراء من جهة وولي العهد والملك من جهة ثانية، وما إذا كان الأمين العام لجمعية الوفاق ينظر بتفضيل لممثلي لجيل الشباب، نقل السفير عن سلمان قوله إنه لو سئل هذا السؤال قبل ثلاث أو أربع سنوات، لكان أجاب: «بكل تأكيد». وأضاف السفير «بسبب الإحباط من المواضيع الدستورية، والاتهامات لجيل الشباب بأنه فاسد بطريقته الخاصة مثل الجيل الأكبر، (خصوصاً من الطريقة التي يستفيد بها من صفقات الأراضي، ...) فإنه الآن (سلمان) أقل تأكداً أنّ لأمور تغيرت فعلاً». على الرغم من كل ذلك، أكّد سلمان (09MANAMA112) التزام الجمعية، وهو شخصياً، بحل الاختلافات مع الحكومة سلمياً ومن خلال الحوار، مؤكّداً أن انخراط الحكومة جدياً مع المعارضة حول قضايا التجنيس، والتمييز والسكن، يمكن أن يخدم مثالاً فعالاً لاحتواء تظاهرات حركة حق العنيفة في الشارع، لافتاً إلى أنه نصح الحكومة بأن من الأفضل الحديث مع رئيس الحركة حسن مشيمع عوضاً عن مواجهته، إذ من خلال إصدار اتهامات جنائية ضده، تجعله الحكومة أقوى.
وفي السياق، تظهر الوثيقة (09MANAMA220) كيف سعت الجمعية (الوفاق) خلال لقاء جمع عدداً من الوجوه الشيعية البارزة، بمن فيهم الشيخ عيسى القاسم، مع الملك في السادس من نيسان لإصدار عفو غير مشروط شمل مشيمع.
كذلك شدّد سلمان على أن حواراً وطنياً يجمع الحكومة والزعماء السياسيين والدينيين من السنّة والشيعة، بمن فيهم مشيمع، يقدم أفضل أمل لتنشيط الإصلاح السياسي وتجنب العودة إلى تكتيكات التسعينيات القمعية.
وفي ظل هذه الأجواء، لم تجد جمعية الوفاق مانعاً من الطلب من الولايات المتحدة مساعدتها في الضغط على الحكومة البحرينية للدفع من أجل إصلاح ديموقراطي أكبر في البحرين.
وتظهر وثيقة (07MANAMA672) أن النائب عن الوفاق خليل مرزوق حدد ٣ نطاقات، الأول من خلال حث الولايات المتحدة للحكومة البحرينية على العمل باتجاه نظام انتخاب أكثر شفافية، بما في ذلك التخلص من مراكز الاقتراع العام، التي يُنظر اليها على أنها مصدر للتلاعب بالانتخابات، ثانياً تشجيع الحكومة على مكافحة الفساد من خلال فرض القانون، وأن تكون لديها الرغبة في التحقيق في ادعاءات الفساد عوضاً عن حماية من تطالهم الادعاءات. وثالثاً يجب على الحكومة أن تدرك أن البحرين ليست في الاتجاه الصحيح في ما يتعلق بالديموقراطية التمثيلية، فيما علّق النائب جلال فيروز على ما يشهده البلد وتحديداً تعيين 50 في المئة من أعضاء مجلس الشورى بالقول «الناس يشعرون بأنهم يعيشون في القرن الثامن عشر».



الزواج والسيّارة والسياسة

في لقاء مع أحد الدبلوماسيين الأميركيين، أخبر العضو في جمعية الوفاق، نزار القارئ، (05MANAMA1152) أنه إذا شاركت الحكومة في الحوار مع قادة المعارضة، فإن المسائل يمكن أن تحلّ في المكاتب وليس في الشارع، قبل أن يضيف إن جلب المزيد من الشباب الشيعة إلى الشرطة للعمل فيها، سيؤدي إلى زيادة الاستقرار وخفض الراديكالية، مؤيداً ذلك بأن الشيعة الذين عينوا في القوات الخاصة خلال السنوات الأخيرة توقفوا عن الذهاب إلى الجوامع والمجالس المتشددة، ولم يعودوا فاعلين في المعارضة. وأضاف «إنهم مهتمّون بالزواج والحصول على سيارة، أكثر من السياسة».
من جهة ثانية، كشف منصور الجمري في حديث مع السفير الأميركي (05MANAMA672) أن الشيخ عيسى قاسم (الصورة) أرسل عبره عارضاً الحوار مع الملك حول الموضوع الدستوري، لكنّ الملك لم يردّ.