لم تكن الاحتجاجات في درعا وليدة دعوة على «الفايسبوك»، كما كانت عليه الحال في الانتفاضات العربية السابقة والحالية. لكن موقع التواصل الاجتماعي هذا ليس غائباً عن الدعوات إلى التحرك قبل ما يحدث في درعا وبعده. فالموقع مثّل مساحة تواصل بين العديد من السوريين الداعين إلى التغيير، رغم الحظر الذي كان مفروضاً عليه قبل أشهر قليلة؛ إذ لم يكن بالإمكان تصفّح «الفايسبوك» في سوريا من دون تغيير «البروكسي» الخاص بخدمة الإنترنت، وهو ما أتقنه معظم السوريين.
السوريون لم ينتظروا القرار غير المعلن برفع الحظر عن تصفح «الفايسبوك»، الذي جاء إبان الثورة التونسية مطلع كانون الثاني الماضي، لينضموا إلى الموقع، لكن طريقة التعاطي معه اختلفت. ورغم الحذر الذي لا يزال يخيّم على أحاديث بعض السوريين على الموقع، خشية سيف المراقبة الأمنية، إلا أن صفحات «الفايسبوك» شهدت في الفترة الأخيرة حركة لناشطين سوريين يطلقون بيانات تدعو إلى تحرير معتقلين سياسيين أو إطلاق الحريّات العامة.
الحركة تطورت مع الأيام لتتحول إلى إنشاء صفحات لـ«الثورة السورية» أو «الانتفاضة السورية». صفحات عمدت إلى إطلاق دعوات لـ«أيام غضب»، ومنها يوم 15 آذار الجاري، الذي شهد تحرّكات خجولة كانت خاتمتها في الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة الماضي، وتوسّعت إلى بعض المحافظات السوريّة، قبل أن تأتي احتجاجات درعا التي شغلت صفحات الفايسبوك السورية.
«الثورة السوريّة ضد بشار الأسد»، «يوم الغضب السوري»، «سوريا ثورة حتى الحرية»، و«كلنا طلّ الملوحي»، هذه عينات من الصفحات التي يزخر بها موقع «فايسبوك»، والتي بدأت تتعاطى مع أحداث درعا على أنها «شرارة الانتفاضة»، وباتت تعرض شرائط مصوّرة مأخوذة من هواتف محمولة للمواجهات في الجنوب السوري، إضافة إلى نقل شهادات لمواطنين سوريين تُعرَض على الفضائيات العربية والأجنبية.
الصفحات أخذت على عاتقها الدعوة إلى تحرّكات لـ«مؤازرة أهالي درعا». وعلى غرار يوم الغضب في 15 آذار، جاءت الدعوة أمس إلى «جمعة العزّة» اليوم في مختلف المحافظات السوريّة. الدعوة موجزة ومن دون تفصيلات، وهو ما أثار حفيظة بعض المنتمين إلى هذه الصفحات، الذين طالبوا بتعليمات عن أماكن التجمع والشعارات التي من الممكن أن ترفع، إضافة إلى أهداف التحرّك. فالدعوة اكتفت بجملة عامة تقول: «من بعد صلاة الجمعة، انطلاقاً من جميع المساجد في سوريا إلى كبرى الساحات العامة، نرجو أن تدعوا أصدقاءكم لهذه الصفحة ليكونوا معنا».
الدعوة التي جاءت على صفحة «الثورة السوريّة ضد بشار الأسد»، أرفقت بمجموعة من التعليمات لمواجهة قوات مكافحة الشغب والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، إضافة إلى معالجة الجروح الطفيفة، على اعتبار أن «سيناريو القمع وارد» اليوم.
القائمون على الصفحات بدوا على دراية بمحاولات إدراج الحركة في إطار الخانة الطائفية، فكانوا حرصاء على تأكيد «الوحدة الوطنية»، عبر بيان أن المتظاهرين والداعين هم عن «الشعب السوري بكافة طوائفنا وأعراقنا وقومياتنا قد خرجنا عن صمتنا ولم تعد تهمنا أجهزة الفساد ولا الاستخبارات».
أما المطالب التي يرفعها القائمون على هذه المواقع، فهي تتلخّص بـ«الإفراج عن جميع المعتقلين الذين اختُطفوا في الأيام الأخيرة، وإطلاق جميع معتقلي الرأي، وتبييض السجون، والتعامل مع الشعب السوري الحرّ بإنسانيّة وديموقراطية، وبما يتناسب مع رغبته في التغيير السلمي».