«استشار جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتجاهل الكونغرس الأميركي». عبارة تتردد منذ أيام على ألسنة السياسيين الأميركيين، الديموقراطيين والجمهوريين على السواء. فالرئيس الأميركي باراك أوباما، عبر قرار المشاركة في الحملة الأممية على ليبيا وفرض منطقة حظر طيران فوقها، استطاع أن يزيل الحواجز الحزبية بين النواب والشيوخ في الكونغرس بعد ثماني سنوات من الانقسام في السياسة الخارجية (منذ اجتياح العراق) ليتحدوا في نداء واحد: «لماذا تتجاهلنا؟». وما جعل الأمور أسوأ أنّ أوباما أعلم الكونغرس بقراره «الانضمام إلى الحرب بعد يومين من بدء القصف».ويثير القرار الأميركي بالمشاركة في العمليات ضياعاً داخل صفوف الحزبين. ففي الجانب الديموقراطي، أيدت رئيسة مجلس النواب السابقة، زعيمة الأقلية الحالية، نانسي بيلوسي، قرار أوباما، وكذلك فعل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري. في المقابل، ارتفعت الأصوات الديموقراطية المنددة بـ«خطيئة أوباما». فالشيخ عن ولاية فيرجينيا، جيم ويب، الذي كان مقرباً جداً من الرئيس الأميركي، تساءل عن صوابية تدخل الولايات المتحدة «في كلّ حدث يقع في تلك المنطقة من العالم». أما النائب عن أوهايو دينيس كوسينيتش، الذي كان وراء خطة تجريم وعزل بوش الابن ونائبه ديك تشيني بسبب قراري الحرب في أفغانستان والعراق، فقال إنّ قرار أوباما «جريمة تستلزم العزل».
ويتشارك ديموقراطيون آخرون مع زملاء لهم جمهوريين في لوم الرئيس على عدم لجوئه إلى الكونغرس لاتخاذ قرار المشاركة، ما يجعل موقف الولايات المتحدة اليوم غير قانوني. ويعود هؤلاء إلى ما قاله أوباما أثناء حملته الانتخابية منذ 4 سنوات: «لا سلطة للرئيس وفق الدستور للأمر بعملية عسكرية على نحو أحادي، حين يكون الوضع لا يتضمن خطراً حقيقياً أو مباشراً على الأمة». حتى إنّ ممثلي «حزب الشاي» في الكونغرس يعارضون قرار الحرب، فأعلن الشيخ عن ولاية كنتاكي، راند بول، أنّه لا يعتقد «أننا نحتاج أن نتورط في حرب ثالثة».
كذلك انتقد البعض ترك البحرينيين يذبحون واللجوء إلى التدخل في ليبيا، التي كان يمكن مساعدة الثوار فيها قبل ذلك بكثير، أي إنّ التدخل تأخر. لكن الصحافي جوناه غولدبرغ، من صحيفة «لوس أنجلس تايمز»، رأى أنّ التأخر في التدخل هو تصرف ذكي، «فعوضاً عن مساعدة الثوار حين كانوا يربحون، نحن الآن ننقذهم وهم يخسرون، ما يعني أننا سنسيطر كلياً على النظام الجديد في ليبيا». ورأى البعض أنّ وسيلة التدخل الأفضل هي على طريقة ما حصل في أوروبا الشرقية: مساندة مالية وكلامية للمعارضين من دون وجود فعلي على الأرض.
لكن أوباما وجد مساندة من مكان لم يكن يتوقعه، إذ إنّ جمهوريي سلفه، بوش الابن، حيّوا قراره «الشجاع». فقال سفير واشنطن السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، إنّ أميركا يجب أن تتحرك بسرعة وخفة وتعبّر بصراحة عن رغبتها في تغيير النظام الليبي، فيما وجه مستشار بوش السابق، كارل روف، تحية إلى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لأنّها استطاعت إقناع رئيسها بالتدخل في ليبيا.
اذاً، أوباما لا يختلف عن سلفه، وهو إلى جانب عدم إغلاقه غوانتانامو ووضعه حداً للاعتقال السري والترحيل والتنصت وقانون الوطنية، يشن حروباً مثل بوش الابن. فهل يمكن القول إنّ «غموض أوباما الحذر» لا يختلف عن «وضوح بوش الخاطئ»، وخصوصاً في ما يتعلق بقرار الحرب؟ قد يكون الجواب نعم، وخصوصاً مع عدم تمكن حتى أقرب مستشاري الرئيس الحالي، من توضيح ماهية «عقيدة أوباما»، تحديداً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ومواقفه المتناقضة: فهو عارض حرب العراق حين كان سيناتوراً، ولم يترك فرصة في حملته للتذكير بذلك، ونال جائزة نوبل، ثم ساند حرب أفغانستان بوصفها «الحرب الصحيحة» ويورط البلاد في حرب جديدة في ليبيا. حتى الرئيس نفسه، لم يعط إجابة شافية أول من أمس، الثلاثاء، حين ظهر على محطة «سي. إن. إن» وقال إنّه «اعتاد على التناقض بين أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة وشخصاً يطمح إلى السلام».
ربما من الأفضل لأوباما أن يستمع لنصيحة النائب دينيس كوسينيتش والدعوة إلى جلسة للكونغرس. فمن غير المستبعد أن يرفض الكونغرس المشاركة، بعدما تمت بالفعل على الأرض. عندها، لن تعود العمليات العسكرية هي «حرب أوباما»، ويستطيع الرئيس الأميركي أن يتفادى الانتقادات، لاحقاً، حين يكبر المستنقع الذي يغرق فيه تباعاً في المنطقة.