رقم الوثيقة: 06BEIRUT2534التاريخ 4 آب 2006 13:38
الموضوع: الهجمات الإسرائيلية على الجسر الساحلي الشمالي تؤذي مهمات السفارة، وصورتنا وجهودنا لعزل حزب الله
مصنف من: جيفري فيلتمان، سفير.

موجز وتعليق
1. مما لا شك فيه أنه يمكن الإسرائيليين تقديم تبرير عسكري لهجماتهم على الجسور الثلاثة في منطقة الشمال، ابتداءً من استهداف منطقة جونية المسيحية هذا الصباح (8:04) وقطع الممر إلى سوريا، الذي أكدت الحكومة الإسرائيلية أمام العالم بأسره أنه سيبقى سالكاً. لكن مهما كان التبرير الإسرائيلي، فإنّ قطع الطريق الرئيسية التي تصل بيروت بقلب المنطقة المسيحية في لبنان هو بمثابة تدمير نفسي، إذ إنه يعزل المناطق المسيحية بعضها عن بعض،

ويقطع الطريق أمام زوار البطريرك صفير (المقيم في مقره الصيفي) وسمير جعجع. إضافة الى ذلك، إن هذا الهجوم يوجه ضربة قاسية إلى مهمات السفارة، إذ لن يتمكن الموظفون (ومن ضمنهم موظفو الأمن) من الوصول إلى عملهم. نحن نواجه نقصاً في احتياط البنزين لدينا بسبب الطرق غير السالكة الى الشمال والخوف من هجمات إسرائيلية إضافية. أضف إلى ذلك أن ثمة مجموعة جديدة من المدنيين الأميركيين يطلبون مساعدتنا في ترحيلهم. بما أنّ كل توقعاتنا حيال ما هو آمن باءت بالفشل، أصدرت لجنة الطوارئ قراراً بعدم مغادرتنا للمجمع من دون تنسيق تحركاتنا مع جيش الدفاع الإسرائيلي عبر سفارتنا في تل أبيب، الأمر الذي يتطلب وقتاً طويلاً ويمنعنا من القيام بأي جهود دبلوماسية طارئة وعاجلة.
2. لا أحد من مصادرنا اللبنانية يعتقد أن هذه الجسور كانت أهدافاً تابعة لحزب الله (حتى لو نجح الإسرائيليون في تبرير ذلك). ومن أجل صدقيتنا في لبنان، فإننا نوصي الحكومة الاميركية بشدة، باستخدام هذا الأمر للفصل بيننا وبين بعض التكتيكات الإسرائيلية في لبنان. ومن أجل مهماتنا، فإننا نحث على الاتفاق مع الإسرائيليين على تحييد منطقة بيروت الكبرى ومن ضمنها عوكر (حيث تقع السفارة) وجونية عن هجمات جيش الدفاع الإسرائيلي، باستثناء معاقل حزب الله المعروفة، كالضاحية الجنوبية. ونحث أيضاً على إطلاق مبادرة رفيعة المستوى – (ربما فتح طريق بحري بين قبرص وجونية، أو معبر جوي محدود الى مطار عمّان أو أي بلد آخر) لتجميل صورتنا وتأمين الراحة النفسية للّبنانيين المحاصرين. (نهاية الموجز والتعليق)

إسرائيل تستهدف ثلاثة جسور ساحليّة في وسط المناطق المسيحيّة اللبنانيّة

3. في ساعات الذروة الصباحية، قصفت إسرائيل ثلاثة جسور على الطريق الساحلية (الطريق اللبنانية الرئيسية الوحيدة التي تربط الجنوب بالشمال)، بدءاً من الجهة الشمالية لميناء مدينة جونية المسيحية (تبعد نحو 10 كلم عن السفارة) صعوداً باتجاه البترون. أفادت تقارير صحافية عن مقتل وجرح العديد من الركاب على الطريق. ورغم أن عدد الضحايا منخفض نسبياً، فإن الضرر النفسي هائل جداً: فهذه الطريق كانت إسرائيل قد وعدت بإبقائها آمنة، (وقد أبرزتها في ملف وزّع على نطاق واسع) بما أنها شريان الحياة الذي يمر عبر طرابلس ومعبر العريضة إلى سوريا. وأكدت إسرائيل لعامة الناس أن الطريق ستبقى سالكة. واعتمد العديد من ممثلي منظمات الإغاثة الإنسانية على هذه الطريق لنقل المساعدات الإنسانية الى لبنان، الأمر التي أوقف اليوم.
4. يعاني المجتمع المسيحي، بوجه الخصوص، من صدمة، إذ قُطعَت الطريق من جونية وبيروت المؤدية إلى البلدات المسيحية الساحلية وهي طبرجا، المعاملتين، عجلتون، جبيل، البترون، إلخ... وقال لنا أحد المسيحيين إن «جبل لبنان» لم يعد مكاناً آمناً بعد اليوم. رغم اعتقادنا بوجود بعض الطرقات الوعرة وغير المباشرة بين الجبال والأودية، والجسور الجانبية الصغيرة التي يمكن السكان عبورها الى ما يسمّى بشكل فكاهي بـ»مارونستان» وبيروت، يخاف السكان من سلوكها خشية استهداف إسرائيل لباقي الجسور. (في اليومين الماضيين دمّرت إسرائيل جسوراً عثمانية أثرية في عكار، شمال لبنان، بهدف قطع طرق الإمداد العسكري بين سوريا وحزب الله). فضلاً عن ذلك، قد تواجه القوافل المحمّلة بالدعم الإنساني التي سلكت الطريق الرئيسي سابقاً، صعوبة في سلوك هذه الطرق الجانبية.

عزل البطريرك صفير وسمير جعجع؛ تزايد التضامن المسيحي مع حزب الله

5. في هذه الأثناء، إن التنقل بين بيروت وطرابلس، عاصمة لبنان الثانية (معقل سنّي رئيسي)، صعب ويستغرق وقتاً طويلاً، إلا أنه ممكن عن طريق سلوك الجسور الجانبية الصغيرة التي يخافها السكان. لا يتمكن البطريرك الماروني صفير من التواصل مع أنصاره ومع القيادات اللبنانية، هو المقيم حالياً في مقره الصيفي في الديمان، وأدّى دوراً مهماً في حشد رجال دين متنوّعين لدعم حكومة السنيورة، وطرح فكرة «المساواة بين المواطنين» (في إشارة إلى نزع سلاح حزب الله). والأمر عينه ينطبق على سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية، أبرز قياديّي حركة الرابع عشر من آذار. بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الطرقات الرئيسية لعبور المسيحيين والسنّة أهدافاً تابعة لحزب الله (كما ذكرنا يمكن الإسرائيليين تبرير أنفسهم)، فان كل المسيحيين والسنة الذين يتصلون بنا، يرون أن هذه الهجمات تطال مجتمعاتهم. أحد المسيحيين المعتدلين قال للسفير: «كلنا مقاومون الآن».

مهمّات السفارة تأثّرت تأثراً بالغاً

6. تأثرت السفارة بالهجمات الإسرائيلية من نواح عدّة. أوّلاً، إن معظم موظفينا، ومن ضمنهم موظّفو الأمن (حراس الأمن، وقوات الطوارئ الأمنية)، لا يمكنهم الوصول إلى مركز العمل، ما يعوق عملنا نحن. ثانياً، لقد استنفدنا احتياط البنزين لدينا، بسبب استهداف الطريق المؤدية إلى شمال لبنان. (وافق السفير جونز في تل أبيب على مساعدتنا في تنسيق استخدام الطرقات الجانبية، ونحن نبحث في الاحتمالات المتوفرة. إننا نعاني أزمة وقود مروعة. لا يمكننا حتى الآن معرفة ما إذا كان بإمكان شاحنة الصهريج التي تنقل الوقود أن تسلك الطرقات الوعرة والضيقة، لكن السالكة. ثالثاً، إن المئات من الأميركيين الذين كانوا يشعرون بالأمان في منطقة جبل لبنان، حتى هذه اللحظة، نزحوا إلى بواباتنا وشغلوا خطوط الهواتف للاستعلام عن أي مساعدات ممكنة لترحيلهم.
7. يصعب علينا تنفيذ أي من مهامتنا الدبلوماسية. ففيما عزّزنا القوّة حول المجمع وحددنا من تحركاتنا تفادياً لأي هجمة من حزب الله، فقد زاولنا أعمالنا على افتراض أن الإسرائيليين لن يستهدفوا أياً من المناطق التي نقيم أو نعمل فيها، خصوصاً من غرب بيروت وصولاً إلى المدن المارونية المسيحية الأساسية. إلا أن توقعاتنا باءت بالفشل هذا الصباح. ولذلك فإن لجنة الطوارئ حددت لنا أنه لا يمكننا مغادرة المجمع إلا بالتنسيق مع الإسرائيليين، ما يستهلك وقتنا وطاقاتنا البشرية التي تعتمد كلياً على السفارة في تل أبيب (التي تعاونت تعاوناً مثاليّاً لتلبية طلباتنا، لكن ربما على حساب أولوياتها). إننا قلقون جداً، لأن أحداً لم يقدم إنذاراً مسبقاً بهذه الهجمات المفاجئة، أو يضع في الحسبان أي هجمات مستقبلية على بيروت المركزية، قد تهدّد عملياتنا وحياتنا أيضاً.

التعليقات والتوصيات

8. إنّنا نؤكد أننا نتوقع أن تقدّم إسرائيل تبريرات عسكرية لعملياتها هذا الصباح، ونحن نتطلع إلى الحصول على التفسيرات التي يرجّح الخبراء العسكريون في السفارة أنها هجمات مخطط لها سابقاً. لكن، مهما كانت الأسباب، فإن تكاليف تحقيق أهدافنا في لبنان باهظة الثمن. واستناداً إلى ردود الفعل الهستيرية لمصادرنا وموظفينا، الذين يشعرون بالتضرر جراء هذا النزاع أكثر من أي وقت مضى، فإننا لا نبالغ عندما نقول إن هذه الهجمات قد سرّعت عملية خسارتنا لمعركة «العلاقات العامة» هنا.
9. هذه الهجمات على المدن المسيحية تسهم في زيادة الشعور بالاضطهاد لدى المسيحيين والسنّة (بسبب التأثير على طرابلس)، إضافة إلى زيادة التضامن بين المسيحيين والسنّة وحزب الله. يسود جوّ، في بعض الأوساط، من قلّة، وللأسف، تراجع الحماسة تجاه قدرة إسرائيل على القضاء على بنية حزب الله في الجنوب. فهذه الجسور الثلاثة هي شأن آخر. فنظراً إلى عظمة الأضرار النفسية والتشغيلية التي تعرضت لها أهدافنا في لبنان، فإننا نوصي باستغلال الهجمات على الجسور لتسليط الضوء على معارضتنا للتكتيكات الإسرائيلية، وحتى لو جرى ذلك بطريقة سرية. إن تدمير الجسور قد يوفر لنا فرصة جيدة لتبيان الفرق بين سياساتنا وسياسات إسرائيل، رغم تشاركنا في العديد من الأهداف. هذا الأمر قد يدعم صدقيتنا هنا.
10. في ضوء حقيقة أن الإسرائيليين يمكنهم تقديم الكثير من التفسيرات العسكرية لما يرونه مناسباً، بعد انتهاء العمليات العسكرية، فإننا نأمل أن تتجه واشنطن للضغط على إسرائيل لاعتبار بيروت الكبرى (حتى جونية) خارج الحدود المستهدفة، ما عدا تلك المناطق التابعة لحزب الله بوضوح، كالضاحية الجنوبية. سيساعدنا ذلك على التحقق من استمرارية الدعم المسيحي (الذي يتراجع) لنا، ويدعم صدقية الحكومة اللبنانية. بالإضافة إلى السماح لنا بتركيز مخاوفنا الأمنية على حزب الله والمجموعات الإرهابية الأخرى، ويمكّننا من متابعة مهماتنا الدبلوماسية دون تعرّضنا لخطر هجمات إسرائيلية محتملة عند وجودنا على الجهة الخطأ من الجسر (أو عند وجودنا على الجسر في الوقت غير المناسب). بالنسبة إلى تحركاتنا خارج بيروت، فإننا سنتابع تنسيقنا مع السفارة في تل أبيب (ونعبّر مجدداً عن شكرنا العميق والصادق للسفير جونز وكل موظفي سفارة تل أبيب لجهودهم المبذولة باسمنا). إلا أنه بعد هجمات هذا الصباح، فإننا تحت رحمة السفارة في تل أبيب وقدرتها في الحصول على الضوء الأخضر من جيش الدفاع الإسرائيلي، بما يمنع اتخاذ أي إجراءات سريعة في أي وقت كان.
11. نظراً لاستهداف الإسرائيليين لهذه الجسور اليوم، يجدر البحث مع الحكومة الإسرائيلية في بعض اتفاقياتنا المتعلقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية المحتملة. فإننا نأمل، على سبيل المثال، أن تبقى الضمانات الإسرائيلية بعدم ضرب محطات التوليد الكهربائي والبنى التحتية الأساسية على حالها. ونأمل أن تنوي واشنطن تأكيد أهمية تحييد محطات التوليد الكهربائية والبنى التحتية المماثلة من الاستهداف.
12. وأخيراً، نودّ العمل على مبادرة رفيعة المستوى تُعلن في أسرع وقت ممكن، لتأمين المساعدات النفسية للتعويض عن الأضرار نتيجة الهجمات على الجسور. ولعل بإمكاننا البحث في إمكانية فتح طريق بحري بين قبرص وجونية، أو معبر جوي محدود إلى مطار عمّان أو بلد آخر، حيث يمكن الإسرائيليين تقديم ضمانات أمنية منطقية لمنع تهريب الأسلحة أو الأفراد.
فيلتمان